Seiten

Donnerstag, 16. September 2010

الديك المنتوف/اقصوصة

الديك المنتوف/اقصوصة

في 17 سبتمبر، 2010‏، الساعة 12:37 صباحاً‏‏
مابال هذه الدنيا...كل من حولي ديوك...تنفش عرفها وريشها كالطواويس..وانا اتوارى بريشي المنتوف...والدجاجات تتراكض مزهوة بأعراف الديوك وصياحها...ما أن يصيح احدها حتى تسقط الدجاجات مغشيا عليها...وتتناسى بيضا تناثرته في كل الارجاء...الملم البيض واجمعه من جديد ولكن لا اجد من ترقد عليه...انا الديك المنتوف اصبحت حاضنا للبيض ...راقدا عليه عسى ان تفيق احداهن من هوسها بعرف الديوك المختالة كالطواويس....وتتذكر ان الديك المنتوف من يحتضن بيضها... لتفقس صيصانا ستختال عليه فيما بعد

صبرا وشاتيلا/3/...عزرائيل يختبئ بين الانقاض

صبرا وشاتيلا/3/...عزرائيل يختبئ بين الانقاض

من سامر عبدالله‏ في 16 سبتمبر، 2010‏، الساعة 12:40 مساءً‏‏

اشهر عدة مرت والمخيم شبه مدمر،كثير من الاحياء دمرتها حرب اسراييل علي بيروت وحصاره والقصف الهمجي المحموم الذي تعرض له المخيم.قبل المجزرة كانت العائلات الفلسطينية من ساكني المخيم قد بدأت بالعودة له،رغم التحذيرات التي كانت تصل للجميع بتأخير العودة وعدم الاطمئنان لوعود جيش الغزو الذي باتت دورياته تجول شوارع بيروت وتقيم الحواجز في كل مكان.كان هنالك موقفين احدهما عبرت عنه الاونروا ومعظم الفصائل التي استكانت للوعود الاميركية/الاسرائيلية بعدم التعرض للمدنيين ،والاخر عبرت عنه العديد من الشخصيات المستقلة والكادر الوسيط بعدم الوثوق بهذه التعهدات.تميزت معظم القيادات التي بقيت في بيروت بانها كانت قصيرة النظر وكانت تدعو وتحض لاجئي المخيم الذين توزعوا في شارع الحمرا والروشة وبير حسن علي العودة سريعا والبدء في اعمار ما تهدم وتقديم الكشوفات للاونروا بما يحتاجه المخيم.مازلت اذكر ذلك النقاش المحتدم مع قيادي تصدت له رفيقة وقالت له:لقد بتنا عزل،لا يوجد شباب في المخيم،الكل اما غادر مع السفن الي المجهول او اختفى حتى لا يعتقل..اتريدنا نحن النسوة والشيوخ والاطفال ان نعود الي بيوتنا المدمرة دون حماية جدية...هل تضمن لنا أن لا تعيث بنا يد التنكيل من جديد،فيعتقلون او يقتلون من تبقى منا?انتفخ ذلك القائد وقال:لكننا نملك وثيقة فيليب حبيب التي وقعت عليها الولايات المتحدة والتي بموجبها غادر المقاتلون بيروت والتي تنص علي حماية سكان المخيمات وتعهدت تل ابيب بالالتزام بها...لم تصدقه هذه الرفيقة وضحكت ضحكة صفراوية..قائلة:ما بيجرب المجرب الا الي عقله مخرب...واعلنت انها وعائلتها لن تعود للمخيم الا بعد خروج الاسرائيليون من بيروت،عندئذ يمكنها الاطمئنان قليلا.عاد الكثيرون بموجب تطمينات القيادة الفلسطينية والحكومة اللبنانية،وحتى الاكثر تشاؤما منا كان يتوقع ان تتم عمليات تصفية فردية واعتقالات واسعة،لكن لم يظن المعظم ان اية مجازر سترتكب...لحست اسرائيل كعادتها وعودها وتعهداتها والاتفاقيات التي وقعتها حول خروج المقاومة من بيروت،ولانها تظن نفسها اكثر ذكاء من الجميع  لم تلطخ ايديها مباشرة بدم نساء وشيوخ واطفال صبرا وشاتيلا..لكنها احضرت الة القتل الفاشية وسمحت لعزرائيل ان يتجول معهم بينما قبع الجنود الاسرائيليون علي مداخل المخيم للمراقبة والاستلذاذ بسماع انات الضحايا وصرخات المغتصبات وعويل الاطفال الذين نجوا من القتل صدفة...اسابيع بعيد المجزرة...ما تبق من سكان المخيم يهجرونه  مؤقتا...حتى من عاد بعد المجزرة وانسحاب الاسرائيلين عاد للترحم علي الشهداء والانين والبكاء ثم البحث عن مكان امن..حين عدت بعد ان التقطت انفاسي بعد صدمة اليوم الاول لاكتشاف المذبحة ذهبت الي منزل جدي الواقع في مدخل مخيم شاتيلا ...دخلت الزاروب الطويل من الخلف،من ناحية المدينة الرياضية،كنت برفقة ابن عم لي سيق يومها الي المدينة الرياضية للذبح،كان عمره حينذاك 14 عاما،ما انقذه  في وقتها ان القتلى كانوا بالعشرات وان ضابطا اسرائيليا علي مخرج المخيم من الخلف كان يختار بضعة افراد ياخذهم للتحقيق معهم،للغرابة ان من ياخذهم للتحقيق كانوا من الناجين القلائل من المجزرة.ابن عمي هذا كنت قد تركته قبل اسبوع والحياة تقفز من خدوده،وحينما قابلته بعد المجزرة كان نصف شعره قد اصبح ابيضا وكأنه كهل في السبعين،عيناه زائغتان...يدخن بشراهة،الالم والرعب ارتسما علي وجهه الي الابد.توقف علي التلة الخلفية للمخيم والفاصلة بينه وبين المدينة الرياضية وقال:كنا طابور مكون من العشرات الذين امسكوا بنا في صبرا وجرونا الي هنا،لم نعرف ماالذي يدور في زواريب المخيم ولا ماذا يحدث في داخل المدينة الرياضية،كنا نسمع طلقات نار في داخل المخيم وصرخات استغاثة اما في المدينة الرياضية فقد كنا نسمع كل بضعة دقائق اصوات صليات رشاشة.كان من حسن حظي ان الجندي الاسرائيلي اشار لي بالخروج من الطابور والوقوف جانبا...عشر دقائق مرت سمعنا فيها صوت صليات رشاش اتية من المدينة الرياضية،وصوت بلدوزر...ثم مر بنا العناصر الكتائبية اتين من المدينة الرياضية وهم يتبادلون الضحكات...اما من كان معهم فلم نسمع لهم صوتا بعد ذلك الي يومنا هذا ...بكي بحرقة وتوقف عن المسير معتذرا:لم يعد بامكاني دخول المخيم ففي كل زاوية منه يقفز شيخ او طفل وقد قتل بدم بارد ومثلت بجثته...او اسمع صرخات طفلة او فتاة تغتصب ولا استطيع فعل اي شيئ الا الركض والاختباء...لن استطيع المضي معك ابعد...ولا اعرف متى تستطيع قدماي دخول شاتيلا من جديد .مضيت وحدي اقدم قدما واؤخر اخرى..الي ان وصلت باب المنزل..تذكرت الصورة الاولي بعد المجرة وسقطت ارضا لا اقوى علي طرق الباب او فتحه....

Dienstag, 14. September 2010

صبرا وشاتيلا/2/كأنه كان جدي مقتولا على قارعة الطريق

صبرا وشاتيلا/2/كأنه كان جدي مقتولا على قارعة الطريق

من سامر عبدالله‏ في 14 سبتمبر، 2010‏، الساعة 11:03 مساءً‏‏
حين دخلنا المخيم مع فرق الاسعاف والهلال والصليب الاحمر اللبناني كان المنظر مرعبا...كأن القتلة قد أغمدوا خناجرهم قبيل فنية من الزمن...رائحة الموت تظلل كل الحارات والزواريب...فأينما وليت وجهك لا تر أي مظهر للحياةلن ترى الا جثثا على امتداد الطريق...جثثا في البيوت وعلى السلالم وفي مدخل كل زاروب...كأن الة القتل مشت بمنهجية واضحة حتى لا يفلت أحد من براثنها...أقسم بالله أنني رأيت عزرائيل يتوارى خجلا من أعيننا...لمحته يختبىء بين الانقاض باكيا...فهو وان كانت مهمته قبض الارواح لكنه فوجىء بوحشية وسادية القتلة...كانت رائحة الموت تنتشر في اذياله وانين الضحايا يواكب خطواته المسرعة في الهرب...وأكاد أقسم أيضا أننا شاهدنا ابليس الملعون يبحث عن ملجأ يحميه من القتل الذي لم يفرق بين انس ودابة وحتى جن...كان يرتعد خوفا ويدمدم لقد وسوست لهم أن يقتلوا لكنهم لم يقتلوا فقط بل أبادوا ونكلوا بالجميع وبوحشية ودم بارد...لقد كان يقسم أنه منهم براء فقد فاقوا وسواسه الخناس وأصبحوا هم الشيطان مجسدا في هيئة جلاد....
لم ندر ماذا نفعل..نولول أم نصرخ أم نبحث عن أحياء أخطأتهم سكاكين ورشاشات القتلة...أم نحمل جثثا قد بدأت تتحلل وتتعفن..أم نتعرف على وجوه من ضلعت ملامحهم من الرعب المرسوم على وجوههم...لم أستطع البكاء ولا الصراخ...من هول الرعب اختفى صوتي وتحجرت ادمعي....بتنا نركض يمينا ويسارا على غير هدى...نتلاطم ببعض ونأمل أن يأتي من يلطمنا على وجوهنا ويقول :أفيقوا هذا ليس الا كابوسا أسود....لكن الكابوس المرعب كان حقيقة ارتعب منها الشياطين والجن....
لم نعد نحس برائحة الدم والموت فقد تغلغلت حتى احتلت ارواحنا وبقيت حتى الان...كنت امشي ببطء مذهولا الى أن وصلت قريبا من الزاروب الذي يقطن فيه جدي وجدتي...كنت أرتجف من الخوف ولم أعد قادرا على الاقتراب أكثر خاصة حينما لمحت جثة كهل ملقية في أول الدخلة...سقطت على الأرض كقطعة طوب..لم تعد قدماي تحملني ...أهذا جدي..أم شبه لي..من بعيد كان جدي...نفس الطول والملامح وحتى ملابس البيت المخططة...زحفت بين الضحايا لانني لم أعد قادرا على الوصول اليه ماشيا..وكلما اقتربت كان يقيني يزداد...نعم هو جدي وحيدا دون جدتي التي شاركته رحلة اللجوء المميتة...حينما وصلت اليه اكتشفت انه جدي/وليس جدي...كان يشبهه كثيرا الى حد التطابق مع أن ملامح الرعب قد تخشبت بعد أن ارتسمت على وجهه حينما قتله الجلاد بدم بارد....لم أدر هل أفرح لأن الضحية لم يكن هو، أم أبكي على جد ربما كان جدي في يوم من الأيام....

صبرا و شاتيلا/1/:رائحة الموت ما زالت ترافقني

صبرا و شاتيلا/1/:رائحة الموت ما زالت ترافقني

من سامر عبدالله‏ في 14 سبتمبر، 2010‏، الساعة 10:48 مساءً‏‏
كان اليوم هو السادس عشر من سبتمبر....ما زلت أذكره جيدا...كنت قد خرجت من مخيم شاتيلا ليلا باتجاه الفاكهاني بعد استدعاء الرفاق لي...كان الاسرائيليون قد احاطوا ببيروت ونخروا شوارعها كالسوس وبدأوا حملات اعتقال وتفتيش بمعونة المقنعين...خرجت حتى لا أعتقل بعد أن وشى صاحب البيت عني للحاجز الاسرائيلي/الكتائبي ،والواقع على مدخل المخيم مزودا اياهم بهوية عسكرية تحمل صورتي وكان قد استولى عليها مع كل ما احتواه المنزل من امتعة بعد أن غير قفل الباب مستقويا بالاحتلال المجنزر.
خرجت في الصباح الباكر من منزل جدتي الواقع في الزاروب نفسه...ودعتها هي وجدي على امل لقائهم ليلا...لم يكن يدور بخلد اكثر المتشائمين منا أن الاحتلال سينكث بوعوده لفيليب حبيب والتي على اساسها غادر المقاتلون بيروت...وبقينا نحن/بضعة افراد مدنيين مع العجائز والنسوة والاطفال لانجاز الخدمات الاجتماعية والاغاثية لما تبقى من سكان المخيمات شبه المدمرة...
كنا في الايام السابقة متعبين من كثرة ما تنقلنا بين شاتيلا وصبرا والداعوق وبرج البراجنة ومار الياس واماكن المهجرين في الحمراء والروشه والاسواق...سالكين طرقا التفافية حتى لا يمسكنا جنود الاحتلال المتمترسين وراء حواجزهم أو المزودين بقوائم وعناوين يتم مداهمتها بصحبة المقنعين...
خرجت يومها الى شقة صغيرة مجاورة للمخيم لكن رائحة الموت كانت تحوم حول المخيم وفي الازقة...كان الكثير يتوقع اعتقالات وحمل من يقع في ايديهم باتجاه معسكر انصار...لكننا لم نتوقع أن تمتد يد القتلة بسكين باردة لقتل الاطفال والعجز والمدنيين...
منذ الصباح الباكر احاطوا بالمخيم من كل حدب...كل من كان يخرج كان يعتقل وينقل باتجاه المدينة الرياضية على اطراف المخيم...كانت حواجزهم لا تسمح حتى لنملة ان تمر....عندئذ فهنا ان امرا كبيرا يجرى التحضير له...لكن السيف كان قد سبق العدل ولم يعد بالامكان فعل شيء...لم يكن في المخيم سلاح الا بضعة مسدسات ...كله قد تم اخراجه تحضيرا لمرحلة الاحتلال القادمة..حتى الشباب غادر معظمهم خاصة من كان له علاقة بالمقاومة وتاهوا في حواري بيروت...
ما ان هل المساء حتى فلت القتلة من عقالهم دون رقيب او حسيب36ساعة اتموا فيه مجزرتهم ...الحارات الاولى لم يتركوا فيها حيا حتى الرضع لم ينجوا من الجزارين والقتلة...مثل بالعديد من الجثث واغتصبت العديدات من الفتيات...اما الشباب فقد رحلوا حيث اعدموا بدم بارد او دفنوا احياء في حفرة ضخمة كانت البلدوزرات قد حفرتها على عجل....في الحارات الخلفية المطلة على مستديرة المطار تم الشيء نفسه...قتل بدم بارد....
لم ندرك حجم ما تم الا صباحابعد ثلاثة ايام حينما انسحبوا فجأة وحضرت اول صحافية وهي مذهولة لتخبرنا انه لم يبق احياء في صبرا وشاتيلا ...الجثث تملأ الحارات والزواريب والبيوت...الجميع ما بين قتيل او مفقود او مثخن بالالام من جراحه....كفر قاسم القرن العشرين...ابادة جماعية لمدنيين لا ذنب لهم الا انهم فلسطينيون او فقراء لبنانيون لم يكن لدى القتلة وقت لفرز الضحايا ....اعتبروا الجميع لاجئين يجب ترحيلهم الى الرب والخلاص منهم...
حين دخلنا المخيم الساعة الثامنة من حارات فرعية كان المنظر مرعبا...لقد تجول عزرائيل بين العزل بوحشية وسادية...جثث يغطيها الذباب وسط برك من الدماء...جثث نهشتها كلاب مسعورة اطلق لها العنان...نساء حوامل بقرت بطونهن ورمي بالاجنة بالقرب منهن....اطفال قتلوا بدم بارد في الازقة...منهم من قتل بجانب امه او اخته ومنهم من قتل بعد ان عري بالكامل....نساء عذبن واغتصبن قبل اطلاق رصاصات الرحمة عليهن....
من دخل منا المخيم انهار في اللحظات الاولى وبكى العمر كله فيما بعد ...لماذا لم نبق معهم لندفع القتلة عنهم....لماذا بقينا على قيد الحياة بعد ان ابادوا المخيمين ....
منذ ذالك اليوم لم تغب عن انفي رائحة الموت والدم في صبرا وشاتيلا...للموت رائحة لا يعرفها الا من كان في ميدان القتل والابادة ذاك المسمى خطأ صبرا وشاتيلا....
لم يصدق أحد أن القتلة قد احتسوا الانخاب فوق جثث الضحايا....عام جديد والضحايا يئنون والقتلة ما زالوا طليقون دون حساب ...عام جديد ولم يسامحني جدي أو جدتي لتركهما تلك الليلة يواجهان عزرائيل وحدهما ...ورغم نجاتهما من المذبحة الا انهما لم يسامحاني حتى مماتهما وربما حتى الان.....

البدلة العجيبة/اقصوصة

البدلة العجيبة/اقصوصة

من سامر عبدالله‏ في 14 سبتمبر، 2010‏، الساعة 10:15 مساءً‏‏
لم البس بدلة في حياتي الا مرة واحدة كانت حينما انهيت الثانوية العامة وقرر والدي انني نضجت بما فيه الكفاية لارتدي بدلة وربطة عنق.مانعت طويلا ،فلم اكن استسغ ان تكون هديتي بدلة،لكن الوالد قرر،ولهذا لا بد من الامتثال لقراره.اصطحبني يوم الجمعة الي سوق الملابس،وجلنا في محلات البدل،لم يعجبني ايا منها،فهذه ابدو فيها كمن لبس ملابس والده وتلك تظهرني كاحمق وتسيل ريالته من فمه.واخرى اظهر عبرها كعبد اسود قاتم اللون..ولما يأس والدي من ان اختار بنفسي بدلة قرر اجباري على قياس واحدة معينة،ما ان رأيتها حتي وقف شعر رأسي المكلكل والمكزبر.لا تستغربوا فقد كانت ذات لون غريب عجيب:قمر ديني مخططة بالبني.كاد قلبي ان يتوقف امام اصرار ابي ان اجربها،وكدت ان اهجم علي البائع لابطحه بضربة رأس انهي فيه احتياله الواضح واطرائه لحسن اختيار والدي.ويبدو ان البدلة لم يقترب منها احد منذ ان وطأت اقدامها ذالك المحل المنحوس...ولاغراء والدي سارع للقول ساخصم لكم ربع ثمنها.لاحظت ليونة من طرف والدي فصرخت محتجا والله لو خصمت نصف ثمنها فلن أأخذها.ابتسم البائع بمكر شديد ونظر لي نظرة لئيمة وقال لأبي:ما مناسبة شرائكم للبدلة،وحينما اخبره والدي انها هدية نجاحي في الثانوية العامة وتجميعي علامات شبه كاملة،استدار البائع مبتسما ولكن بلؤم واضح وقال:مادام هيك يا حاج والله ماراح طلعكم من المحل الا ومعكم البدلة،وهاي منا هدية للشاب ادفع نصف ثمنها فقط والله لو بقدر بقدمها اله ببلاش...
ابن ال...استطاع بهذه الكلمات لف رأس أبي واقناعه.توقعت ان يسألني ما رأيك..هل نأخذها ام نبحث عن غيرها لكنه بدلا من ذلك ابتسم للبائع وقال:والله انك وفيت وكفيت..خلص لفها وتوكل علي الله.وهكذا خرجت من المحل متأبطا بدلتي القمر ديني وبدلا من اكون فرحا بهديتي كان بوزي مترين وشلاطيفي تكاد تلامس الرصيف.حينما وصلنا المنزل كانت الطامة الكبرى حين شاهد اشقائي البدلة وبدأت تعليقاتهم التي لا تنتهي كعادتها ولعل اخفها وطأة تعليق صدر من اخي الاصغر انه يحمد الله انه لم يقدم الثانوية العامة بعد والا لاصبح مشهورا في كافة انحاء المدينة بعد ارتدائه لمثل بدلتي التحفة.لم البس البدلة في اي مناسبة حتى موعد سفري فقد اجبرني والدي علي ارتدائها وانا مسافر بالطائرة،ولم اكن اقدر ان اقول له لا..فلبستها..واصبحت محل تندر كل من كان علي متن الطائرة وسط ضحكاتهم المكتوم منها والمجلجل.ما ان وصلت قدماي الفندق وقبل ان اضع شنطتي ارضا قمت بخلع البدلة وببساطة شديدة قصقصتها بواسطة مقص الى قطع صغيرة  ونثرتها من شباك غرفة الفندق لتطير في الهواء...ومن يومها لم ارتد اي بدلة حتى الان.
· · المشاركة
  • Fida Shafi‏ , خليل المعصلي‏ و 2‏ آخرون‏ معجبون بهذا
    • Fatma Elzahraa كانت أمى لديها معان لمعنى كلمة(الشياكة)ولذلك كانت تصر على ارتدائى تاييرات رمادية وسوداء صناعة الحاج أحمد المصرى أشهر ترزى حريمى من أيام الملك تحتمس وتقول لى(الأسمر والغامق وقار)ولا أنكر أن الصوف تبع التاييرات كان غاليا جدا ماركة وول مارك الأصلى لو تتذكر علامة الصوف مثل علامة فلا نهاية او انفنتى ولما كنا نذهب لفرح إحدى القريبات كانت تصر على ارتدائى الجاكيت الوول مارك لا أخلعه فى عز حر الأفراح حتى تظهر لقريباتها أن بنتها ترتدى جاكيت ماركة صوف وول مارك وطبعا كانت قريباتنا القاهريات يسخرن من ملابسى او يتعجبن منها هههه
      منذ حوالي ساعة · · شخص واحدجاري التحميل... ·
    • دنيس اسعد Denes Asaad ابو شريك رائعة بدلتك القمردينية اللون ههههههههههههههه يا شو قمعونا اهلنا بس بتعرف نحنا كمان منقمع اولادنا نفس الشي

تعليق متاخر عن القسم الاول من بسطة كتاب

تعليق متاخر عن القسم الاول من بسطة كتاب

من سامر عبدالله‏ في 10 سبتمبر، 2010‏، الساعة 10:07 مساءً‏‏
كنت قد بدأت في استكمال استعراض ما نشره الصديق معن سماره في بسطة كتاب في جزئها الاول ،ولاسباب خاصة لم استطع اكمال جميع  نصوص المبدعين الشباب...هذه انطباعات اولية عن قسم جديد منهم مع الاعتذار لجميع من لم اتمكن من متابعة نصوصهم المنشورة لعلي استطيع فعل ذلك عما قريب..

غياث المدهون :شاعر يدخلك الوطن بلغة جميلة مكتملة



قبل تناول النصوص التي نشرتها بسطة كتاب للشاعر غياث المدهون ،لا بد من اشارة صغيرة الى ان غياث سليل بيت ادب وشعر وابداع،وتجربة وطنية وكفاحية كبيرة ،لهذا كنت اتوقع ان يشكل هذا الامر عبئا علي كاهله،وان يلجأ البعض للمقارنة ما بين نصه الادبي ونصوص المبدعين المدهونيين وهم كثر وفي مقدمتهم والده الشاعر الفلسطيني المميز والمرهف راسم المدهون،الا ان نصوص غياث فاجئت الجميع بانها نصوص وان استمدت جذورها من ماتعلمه وسمعه في طفولته وصباه الا انها تحمل بصمة خاصة به،تميزه عن مبدعي اسرته والاهم انها تضعه في الصفوف المتقدمة من الشعراء الشباب الفلسطينين.ولعل غياث نفسه احس بهذا العبء وعبر عنه في نص جميل ودقيق :"أبي
يريدُ أنْ أصبحَ...
أبي."
.يكتب غياث نصوصه بتقنية عالية جدا،لغة مقتضبة،مليئة بالصور الجمالية والوجع الانساني،بعض قصائده تحمل هما تجاوز الذاتي والوطني الي الهم الانساني الذي اجاد في نسج نصوصه بطريقة مميزة.تتميز نصوص غياث ايضا بانها وان انتمت الي المدرسة الحداثية الا انها تحمل لغة خاصة به،ومفردات تدل عليه وعلي نصوصه.في قصائد الوقت نرى نموذجا رائعا لنصوص تمزج مابين الحب والغربة والمنفى والوطن وهي عناوين يمزج بينها ليصنع نصا فريدا وجميلا:"جثةُ الوقتِ...بدأتْ بالتفسخِ
الطبيبُ الشرعيُّ..."ولا أعرفُ من أعطاه الشرعيةَ" يقولُ:إنَّ الوفاةَ طبيعيةٌ...وإننا تأخرنا في دفنهِ... كثيراً
لا وقتَ نضيعهُ إذاً...
يجبُ أنْ ندفنَ الوقتَ بأسرع وقتٍ ممكن."
ولعل النص القصير التالي،الساخر جدا ولكن المعبر عن التقاط وتعبير ذكي عن الوضع العام دليل علي امساك غياث بتلابيب اللغة وتطويعها الي نصوص غريبة في كلماتها وصورها لكنها تصيبك بالدهشة من عميق مدلولاتها:"لا أريدُ مئة عام من العزلة
ولا ثمانين حولاٌ... لا أبا لك يسأمِ
لا أحتاج سبع سنواتٍ في التيبت ولا ستة أيامٍ...ثم استوى على العرش
جلُّ ما أريدُ...دقيقةً واحدةً من البث الحي والمباشر
دقيقةً واحدةً بلا مونتاج أو رقيب أصرخُ فيها بحريةٍ
دون أنْ يُقطعَ البث
أو تُقطع الكهرباء
أو يُقطع رأسي."
.الهم العام او الوطني كما يسمى يحتل مكانا بارزا في نصوصه،حتي عندما يتحدث عن العشق والحبيب،نرى ان الوطن يتسلل خلسة الي نصوصه:"الفرح في بلادي...مصابٌ بالاكتئاب.
باسمي...وباسم هذا الشعب المسكين أرفعُ أسمى آيات الحزن.........والتنصل من المسؤولية.
3سآخذُ عينةً من بول الحزنِ إلى جميع المخابر والأطباءوسأُطالبُ فروع المخابراتِ...بإعطائي أدقَ التفاصيل من أضابيره الورقيةعلَّني...أعرفُ...من الذي يتسللُ ليلاًويذيبُ الحزن في خزانات مياهنا."
في نصوص غياث كم كبير من المرارة والغضب وهو يحسن التعبير عنه بلغته المرهفة والجميلة وبسخرية كبيرة وممتعة:"الحقيقةآه ما أجملَ الحياة…لو كان المخيمُ في باب توما
وكانتِ الثورةُ بلا آباء
لو كنتُ أستطيعُ أنْ أطيلَ شعري ببساطةٍ…
كما يفعلُ السوريون"...
ولعل من النصوص التي تزاوج ما بين الخاص والهم الوطني بلا لغة خطابية اوشعارات ودق طبول واشهار كلاشينكوفات ومدافع لكنك حين تقرأها تبق مشدوها من هذا الابداع في التعبير عن الوطن والفلسطيني :"آه كم أتمنىأنْ يكون في جيبي......
"هويةً شخصية"أسافرُ بها إلى أمي في درعا
دون أن أشرحَ للشرطي القادم من إدلب
الفرق بين فلسطينيي الـ 48 وفلسطينيي الـ
67أولكي أضيعها كما يفعلُ أصدقائي".
او في نصه الاخر والقصير جدا جدا"ما دامت بلادي موصدة الأبواب....فمن أين تأتي الريح".."أصابعُ فلسطين...تشبهُ أصابعَ أمي."...يجب القول ان تجربة غياث الحياتية الغنية انعكست علي تجربته الابداعية بشكل واضح،ولعله من الاجحاف بحق غياث ادراجه بين الشعراء الشباب او الذين ما زالوا يتلمسون طريقهم في الابداع،فتجربته تحمل بصمة ابداعية كبيرة تجعله ينافس الجيل السابق له.



كوليت أبو حسين:نصوص تعري الكون وتصيبك بالدهشة



ان تقرأ نصا واحدا وتقول بعدها لقد اكتفيت ولن اطالع اي نص اخر اليوم،هذا ما تحسه عند قراءة نص كوليت أبو حسين الذي عرضته بسطة كتاب.في هذا النص تحس بالصدمة،وربما هو ما ارادته كوليت تماما عند كتابتها له.هنا الوجع المفتوح على الحياة.تصاب بالدهشة مرارا من جرأة النص في تعامله مع تابوهات المجتمع ومع كل ما تختزنه ذاكرتك من الطفولة حتى الان،وكأن كوليت تتقصد ان تدخلك في مواجهة عب لغتها المكثفة مع كل ما حولك وتنتظر نهاية تفاعل نصها مع روحك .في النص المنشور في بسطة كتاب والمعنون "كيس اسود" تاخذك احرفها دون ان تدر لتصطدم بقسوتهاولكن رغم القسوة والتي قد تبدو للبعض منفرة الا ان النص يأخذك دون ان تدر لتعيشه وتتابع صوره وتحلق معه.في المقطع الاول تصدمك كوليت بصراحتها الفجة وكأنها مرأة لمشاعرنا وارواحنا:"كُنتُ أبْحثُ عَن رجُلِ ٍ يُشْبِهُنيوَحينَ وَجدْتُه..أدْركتُ مَدىبَشـــــاعَتي!!"في المقطع الثاني من النص ترصد كوليت خبايا الروح بدقة وتكشف لنا ازدواجية حياتنا ومدي حمق احلامنا...هذا النص اربكني وحرك بي مشاعر عدة،فكوليت بدقة بالغة تتناول رومانسية الانثى العاشقة،بتفاصيل العشق اللامرئي حين تراقب عشيقها وهو يعيد ترتيب حياته ولكن ليس معها وانما مع زوجته المنفصل عنها لفظا والغائبة جسدا ولكن المتواجدة في المنزل روحا...تفاصيل قاسية جدا:"تُراقِبُه بِصَمْتٍ...وَهي تَراهُ يُعدّ البَيْتَ لاستقبالِ المَرأة الغائبة مُنذُ سَنة..- كانت تَظُن أنّهُما مُنفَصِلان، وَصدّقَتْه حينَ قال أنّها لنْ تَعود"...ممارسة الكذب والنفاق بحذق وفطنة:"يَضعُ صُورَةً لهُما عَلى طاولةٍ صَغيرة بجَنْبِ السّرير..يُلصِق وَرقةَ مُلاحَظاتٍ صَغيرة، كُتِبَ عَليها "أُحبّــكِ" بتاريخٍ قَديمْ...كْنُسُ خُطاها عنِ الأَرض..يَلُمُّ شَعْرَها عنِ الشَّراشِفِ..يَرُشُّ مُلطّفاً للجوّ العابقِ برائِحتها...يَضعُ في فَمهِ حبَّةَ (هُولْز) مُخفِياً طَعْمَها مِن فَمه...."النص اشبه بسيناريو لفيلم اجادت كوليت كتابته وابدعت في تقطيعه...لتوصلنا خطوة خطوة لاحتقار هذا العشيق واكتشاف مدي قسوته:"لُمُ النّفايات وَ مَلابِسَها الدَّاخلية المُلقاةِ على الكنباية في كيسٍ أَسود...يتَأكَّد أنَّ كلَّ شيء عادَ إلى مَكانِه..كأنَّها لمْ تَكُن هُنا مِن قَبْل..."قمة النص في خاتمته الغير متوقعة...خاتمة قاسية جدا ...ولكن اليس هذا ما نصادفه كل يوم?..."يُمسكُ الكيسَ الأسود بيد وَهي في يد....يتوقّفُ فَجْأَةً...يلقي الكيسَ الأسودَ بالحاوِيةِ..وَيُلقي بها في تــاكسي!"النص السابق يفتح الباب واسعا لتعرية تفاصيل حياتية مر بها معظمنا..هي هنا لا تدينها مباشرة ولكنها وباحرفها الحادة كالسكين ترمي غلالة الكذب التي تغطيها وتتركك عاريا امام نفسك....ولك ان تدرك مدي الاضطراب الحادث.في المقاطع الاخري التي اختارها معن بعناية نجد ان ما تدونه كوليت يحمل طعما اخر ورونقا لن تجده عند الاخرين:"أتَعرِفُ ما هو الأكثرُ وَحشةًً مِنَ العَتْمة؟؟.. رَجلٌ يَتْركُكَ فيها حينَ يَغيب..!!".ولعل من نصوصها السوداء نصها الاخير المازج مابين السياسة والهم الشخصي باسلوب رائع وجميل .النص المعنون "فيتو" تعيد تاكيد الثوابت الوطنية الفلسطينية وذلك بطريقة تحمل سخرية كبيرة من الواقع الحالي:"قلبي..يخسر في المُفاوضاتقلبي سيوقّع"خارطة طريقٍ"وهو لا يحمل بوصلةقلبييتجّه نحو الحل السلميالحل السلميلا يفهمه قلبي الذي اعتاد"الكفاح المسلّح"جبهةٌ من المشاعر المنشقّةتصرّ على رأيهاقلبي ينهار تحتضغط اليمين المتطرّف...اليساريتوشّح بالأحمر وَيصمت على غير العادةكبير المفاوضين يشرب كأساً في صحة قلبي التعبانوأناأستعمل حق"الفيتو"ضديوحده صائب عريقاتما زال يفاوض علىالقضيةبملل" .. نصوص كوليت تجعلك تقف مدهوشا امام قدرتها علي تطويع النص وامساك تفاصيل الحياة واعادة انتاعها بنصوص رائعة تشي بتمكن صاحبتها وابداعها الجميل الذي يضعها في مكانة متميزة بين الادباء والمبدعين الشباب



منال مقداد الطفلة التي ترجمت الحلم عشقا و شعرا

ذكرتني منال مقداد انا اقرأ ابداعاتها بلعبة كنا نلعبها حين كنا صغارا لاصطياد العصافير،كنا نحضر كرتونة كبيرة وعصا وحبلا ونجعل من حبات القمح طريقا باتجاه المصيدة وما ان يصبح العصفور تحت الكرتونة نسحب الحبل فنصطاده.احسست وانا اقرأ لمنال انها تلاعبنا هكذا،ترمي لنا نصوصها حبة حبة وتقودنا الي اكمال النص وتشربه،وما ان ننتهي من ذلك حتي نكون قد بتنا اسرى لنص جميل دافئ مليئ بصوره الخاصة.حين تقرأ لمنال تفاجأ بتسلسل في الصور ومقدرة عالية علي تشكيل وتطويع اللغة بحرفية عالية كأنك تتابع نصا لشاعرة قد تجاوزت قطوع البدايات الاولي .في نصها المختار من في بسطة كتاب والمعنون "نقاط دامعة" تدهش من قسوة الصور وفي الوقت ذاته عذوبتها ،فان تبتدأ صباحا وهو كالفحم المحترق وبفنجان قهوة لم يختلف عن المساء في معالمه ،التي هي كما نفهم هي معالم حياتنا الكاذبة ، بداية تدخلك منذ اللحظة الاولي في صراع داخلي تتقنه منال جيدا وترصده بدقة:"ظِلاً أرىأَسمعُ صوتاً منْ حدَّةٍأُمّي!!قَلقاً تنتظِرُني"وبمهارة كبيرة تنقلك منال وفي كلمات مقتضبة ،دقيقة، الي حالة تحس وانت تتابعها انها تصف ما تمر به انت دون سواك:"في عَتمةِ شارعٍداويتُ عتمةَ قلبٍ مُنْـكسرفي نصٍّ جديد."،وبتعداد الصور السريعة التي حملها النص تر نضجا واضحا في رصد الحالات الانسانية المحيطة بالشاعرة ومن لا يعرف عمر منال سيظن ان من يستطيع رصد كل هذه الصور لا بد ان تكون الحياة قد عركته ولاكته السنون:"شاعرٌ عاشقٌ هاربٌيروي قصّةَ رسالةٍأيضاً، كاذِبة."..."رمادٌ يتطايركلُّ شيءٍ لونُه أبيضإلاّ نبضُك."..ولا يغيب الهم الوطني عن نصوص منال فهي تتناوله بحساسية عالية وعبر لغة سياسية مكثفة ولكنها موجعة في دلالاتهاوهو ما نلمسه في المقاطع التالية:"غزّة!!دولةٌ امرأةخَلَعتْ رجُلَها فلسطينْ."...."البِطاقة الجامِعيّةتصريحُ عبورٍ لـممرٍّ آمن.".... "جُنودٌ بِزِيٍّ مِنْ ألَمٍتَقْطَعُ مَجْرى العَوْدة"...ولعل منال في النصين المنشورين في بسطة كتاب قد زاوجت بين النص الشعري المكثف والقصير ونص اخر طويل،وبكلاهما اجادت .ففي نصوصها القصيرة تطرقت لعناوين مختلفة ورسمت صورها بدقة كبيرة وباحرف جميلة ومعبرة:"جفنٌ يهبِطآخر ٌيصعَدقُبلاتٍ تتبادلُها رموشلتنتهي محاضرة."..."أينَكِ؟هربٌ تفتعلُه حروفُهخلفَ بابٍ من انتظارْ."..وفي نصوصها الاشبه بالبرقيات تعيش معها احاسيس الحب والتي تمر عليها برقة وعذوبة لكنها في الوقت نفسه تحمل شحنات كبيرة من الالم والوحدة:"يسكُنُني كَمَا ميْتٍ لقبرِه هُوَ:مَقامان لوترٍ واحد!!هيَ:لحنٌ ناقِصٌ بين مقامين.القصيدةُ التي وعدتَني،هَلْ ستعزِفُ لي عِندَما أموت؟سحابةٌ تحملُ وجعَ قلبِِه تمطرُهُ إلي."
نص منال الثاني الذي عرضه معن في بسطته كان مكونا من عشرة فصول كل فصل منها قصيدة شعرية جميلة،وحرصت منال علي ان لا ترتب فصولها تاركة للقارئ ان يرتب الفصول كما تحلو له او كما يشتهي ان تكون الحكاية.النص جميل يحمل كما من الترميز والصور الجمالية يشي بان كاتبته قد اختزلت من صور الحياة ومن غني التجربة ما يجعلها قادرة علي ابداع نص قادر علي مقارعة من سبقوها عمرا وتجربة. من نصها البديع و ذو الاحتمالات المتعددة والقابل للتحليق مع كل منا كما نرغب اقتطع الفصل التالي:"الفصلُ الثّالِث:فـي الحضورِ الأخيرِ، على الـمقعدِ الأخير، كان الصّمتُ الأخير، يحرقُه لهيبُ السيجارةِ الأخيرة، هذا فصلُ الرّحيلُ الأخير.".منال مقداد اسم سينتبه له المختصون في الادب الفلسطيني قريبا لما تحمله من قدرة ابداعية كبيرة تستطيع ان تثبت اقدامها في الساحة الشعرية الفلسطينية بشكل عام وليس بين الشعراء الشباب فقط.
-


ديمة عبد اللطيف:التوقف المؤسف لموهبة تحمل الكثير من الابداع


لاول مرة يقوم معن سمارة بالتخلي عن حياده الظاهري في تقديم ضيوفه المبدعين،ويشي بانحيازه المطلق لتجربة يقدمها علي صفحات بسطته.ولعل في توقف ديمة عبد اللطيف المبكر عن الكتابة الابداعية سببا للعديد منا ،ممن يعيش في المنفي او الشتات،وقبل الثورة الانترنتية ،لان لا يسمع باسم ديمة لولا تقديم معن لها في بسطته.وقد يكتفي المرء بما كتبه معن او بتعليقات الاصدقاء عن نصوصها المنشورة خاصة وان ديمة قد فازت بأحد المراكز الأربعة الأولى في أول دورة لمسابقة الكاتب الشاب التي تنظمها مؤسسة عبد المحسن القطان منذ العام 2000.

في نصوص ديمة القديمة التي اضاء عليها معن نجد انها تكتب مشاعرها بعفوية وصدق كاملين،وتصيغ كل هذا بمشهد شعري مكثف ومختزل،لكنه جميل ومعبر ويشد القارئ؛ويمكن لاي منا ان يلمس امتلاك ديمة لادواتها واستخدامها لها بطريقة رائعة تبين لنا ما اختزنته ديمه من خبرة في تعاملها مع النص والابداع من خلال "يراعات" وهو ما بدا جليا في نصوصها القصيرة المنشورة في البسطة.تكتب ديمة بعفوية واXحة ولكنها بكتابتها العفوية لا تتركك تتسرب من بين ثنايا صورها وجمال احرفها،فهي تجعلك تعيش الحالة الشعرية بل كانها تكتب عن احاسيس كل منا وليس كل انثى او احاسيسها هي فقط :"عبثا

أحب كليهما

لا الذي يحبني يبقى

ولا الآخر يفلح في

جعلي أتوقف عن حبه

وأنا نأي

بينهما

تلهو بي الريح

ليته لا يجيء...

ليته لا يذهب..".

من نصوصها الاخاذة والتي تجعلك تعود اليها مرارا للارتوا ء النص المعنون "مني إليك"،ففيه من الصور الجميلة ما يسحر القارئ:"مني إليك

أوشك أن أغمض عيني

كيلا أرى آثار ضحكتك

وأنا أوشوشك

بسر جديد

ما الذي تفعله بي أمنية؟

منك إلي

أتعثر بالقبلة التي لم تكن

ما الذي أفعله بالأمنيات؟

تنثر في المسافة

بيني وبين يديك

الخريف

أنا بأمنيتي

امتداد الهواء

حتى السماء"


ولعل ما يميز نصوص ديمة هذه الكم الكبير من رهافة الحس والعشق الذي تنثره ما بين احرفها :"ما يعلق

بكف يدي

من عطرك

أدنو منه بحرص

بين رغبة التأكد من حضوره

وخوف اكتشاف

غيابه

تؤرجحني المسافة

ليتني أكتفي

لا حضور أبقى"

و نصوص ديمة تتميز بانها نصوص تشتق من الحالة النفسية المعاشة املا تنسجه وتبثه فينا كي لا يختفي الحلم او يضيع في زحمة الحياة:

"أمل


المطر

الذي

لم يصل بعد

فراغ

لغيم

يلهو في ظله

عتمة

يتبخر فيها ألم."

مساحة كبيرة من الصور التي صاغتها ديمة بطريقة جميلة ومعبرة ،كانها تجدل احرفها بسهولة وتلقيها لنا لنبتلع دهشتنا معها:"

زيد من البياض


الفضاءات

التي لا يملؤها

إلا الصمت....

تغري

بما يكفي

من يقين

لما نحتاجه من وهم...

ولا تنبئ

إلا بالمزيد من البياض

وعلامات السؤال

كل الاصدقاء ناشدوا ديمة بالعودة للكتابة لانهم عرفوها واطلعوا على نصوصها مسبقا،واشاروا الي ان من تملك هذا الكم والنوع من الابداع عليها ان لا تتوقف فجأة.انا اشاركهم الدعوة وكلي ثقة ان في ادراج ديمة القفلة مخطوطات لابداعات تراكمت خلال هذه السنوات من التوقف العلني عن النشر،لعل الوقت قد حان لتتخذ قرارا بالافراج عنها،فالساحة الابداعية الفلسطينية تنتظر ابداعات نسوية مميزة من المؤكد ان لديمة مكان مرموق فيه.


طلعت شعيبات :دهشة النص الجميل


قلة تكتب كما تتنفس،اي تأخذ افكار نصوصها من الواقع المعاش وتعيد انتاجه بابداع وتميز،فيأتي الينا قريبا للقلب والروح،عميقا في محتواه ومتفردا في صياغته،فتصيبنا الدهشة من امكانية تناول المتاح باشكال وادوات تحمل في طياتها القا لا ينتهي.هذا ما تحسه عندما تطالع نصوص طلعت شعيبات .

في نصوص طلعت التي قدمها معن سمارة في بسطة كتاب تجد عناوين مألوفة ،وقد تضن انها نصوص عادية مكررة لافكار اصبحت مرددة بكثرة،ولكنك حينما تضالع النص تفاجئ بأن طلعت استل من هذه العناوين نصوصا قصيرة موجزة مكثفة لكنها ذات محتو عميق وجذاب وهو ما تحسه كمثال في نص طبيب الاسنان:"طبيبُ الأسنان يخلعُ الأضراس

والشاعرُ يزرع الأقنعة"..او في نص "فتنة": "من أخرجَ الشهيدَ من قبرِه؟

منْ؟

من أطفأ النارَ التي في صدرِه ؟

منْ؟"

هموم طلعت عديدة وهو ما يمكن تلمسه في نصوصه تلك،وجميعها يتناولها بلغة جديدة تميزه عن ادباء شباب اخرين،فتحس انه يؤسس لغة خاصة به،تستطيع التعرف عليها من نصه حتى لو لم يوقعه باسمه.في نص اخاذ عن الوطن لا بد ان تتوقف طويلا امام قسوة الصور الواردة وامام ابداع في تلمس الجوهر :"مقصلة

أرى وطني غابةَ الناسِ

وأرى وطني غايةَ الناسِ

وأرى وطني مقصلة".او في نصه الاخر :"ميتٌ

على سورِ مقبرةٍ أو على بابِ طائرة

ثلاثةٌ ورابعهُم… ميتٌ

ثلاثةٌ وثالثُهم… ميتٌ

ثلاثةٌ وثانيهمُ… ميتٌ

ثلاثةٌ وأولُهم… ميتٌ".

حتى حينما يتناول طلعت عنوان العشق تراه يتناوله بشكل اخر غير كلاسيكي وبفرادة تحسب له:"صوت

صوتُكِ في الهاتف

يُخجلُ أصابعي ...

فتهرولُ أحرفي خائفة"...."طقوس

طقوسي في الحب بسيطة

فلمَ تحاولي أن تجدي لها تفسيرات فلسفية؟"...."أعمى

الشاب: أنتِ أجملُ ما رأيت!

الفتاة: ربما لأنك أعمى"...."أحمر الشفاه

أحبكِ كما أنتِ

فلا تضعي أحمر الشفاه

إنه يشبه دمي

وأنا غارق دائمًا في الشهوة"

افكار تبدو كانك تصادفها في كل لغضة ولكن طلعت يعطيها مذاقا اخر،حبل العسيل عنده لا يشبه حبالنا:"حبل الغسيل

حبالُ الغسيل تُذكرني بالمشانق

ربما لأنني أصطدم بها دائمًا"..ومدنه هي مدننا لكنه يعرفها افضل منا:"مدن

المدنُ التي تنكركَ صباحًا

تفتشُ عنكَ في المساء

فلمَ تحاولُ العبورَ متخفيًا؟!"...حتى رؤيته للمديح مختلف ومميز:"المدائح

المرايا الكاذبة كالمدائح

لكننا اعتدنا عليها"..

من نصوصه المميزة والتي عرضتها البسطة؛"

شجاعة

العصافيرُ التي تحلقُ بعيدًا عن السربِ

تجيدُ الطيرانَ و العزفَ

لكننا لا نسمعُها"..."

سفينة نوح

لا أحبُ أحدًا ولا أكره أحدا…

أنا الحيادُ وروحي سفينةُ …"

يمكن القول ان نصوص طلعت تأخذك الي التفكير عميقا في جوهر النص المتواكب مع جمال اللغة،فقليلا ما تطالع نصوصا تحمل جوهرا فريدا ومصاغة باحرف من نور...ولعل هذا ما يجيده طلعت تماما ويجعله متميزا ما بين المبدعين الشباب الفلسطينيين.




· · المشاركة

معن سمارة يلقي حجراً في المياه الراكدة

معن سمارة يلقي حجراً في المياه الراكدة

من سامر عبدالله‏ في 29 يونيو، 2010‏، الساعة 01:00 مساءً‏‏

معن سمارة يلقي حجراً في المياه الراكدة

عماد أبو حطب (سامر عبد الله)

مع انتهاء الحلقة التاسعة عشرة من بسطة كتاب يكون معن سمارة قد أسدل الستارة على تجربة مهمة تستحق أن يتوقف المرء أمامها، فلأول مرة يتصدى كاتب لمهمة عرض انتاجات الأدباء الشباب والحرص على تشكيل لوحة ثقافية همها الأساسي التعريف بالأدباء الشباب على نطاق أوسع من النطاق المحلي، ورغم أننا شاهدنا في السنوات المنصرمة عدة محاولات لتناول أدب الشباب الفلسطيني، منها ما هو متخصص كتجربة "يراعات" ومؤسسة تامر أو مجلة فلسطين الشباب، وهي المجلة الكتابية الوحيدة الباقية في المشهد الفلسطيني الحالي، إلا أن تجربة البسطة اختلفت عنهما وعن المحاولات الأخرى، ولعل نقطة الاختلاف الأولي الاختيار الذكي لعنوان الإطلالة على أدب الشباب وتسميتها بالبسطة، فاختيار العنوان لم يكن اعتباطيا، فكلمة البسطة فلسطينية ومتداولة في بلاد الشام ويستعملها كافة شرائح المجتمع، دون تمييز طبقي أو معرفي بينهم، فالمثقف ومدعي الثقافة والمتعلم وحتى من يفك الحرف لا بد أن يشده هذا العنوان فيأتي ليشاهد محتويات البسطة ويقلب بضاعتها. أي أن معن أراد بدقة وبخباثة أن يعرض محتويات البسطة أمام العامة جميعا دون تخصيص، وهي محاولة ذكية للخلاص من انعزالية النخبة وتوجهها لشرائح أو فئات محددة من المجتمع، وبالتالي التعالي عن بقية الشرائح بحجة غوغائيتها أو انحدار مكنوناتها الثقافية. لقد حدد لنا معن دون أن نحس أن هدفه جوهر البضاعة وعموم القراء وليس النخبة فقط، وبهذا باتت بسطته متداولة نستعملها جميعنا دون تمييز ، مكان بسيط لعرض إبداعات أدبية لكل من يرغب في المطالعة. ولأن البسطة كما هو متعارف تضم منتجات متفاوتة من حيث الجوهر والشكل، أي أنها متنوعة ومتفاوتة المستوى، فقد أراد لنا معن ومنذ البداية ان لا نقارن بين المعروض من البضاعة وبالتالي التعامل مع كل نتاج كوحدة خاصة قائمة بذاتها وبهذا لا تؤخذ مادة بجريرة مادة أخرى، ولعل هذا احد أسباب تلك التسمية دون أن ندري. وهكذا ألقى معن بحمل بسطته امام المتلقي وترك لنا حرية القراءة والتمحيص وفحص البضاعة التي شملت أسماء بعضها معروف للجميع وبعضها يسلط الضوء عليه لأول مرة تاركا لنا مهمة النقد سلبا أو إيجابا.
وفي الوقت الذي وصف البعض البسطة بالبساطة والعفوية، إلا أنني أرى أن معن لم يكن عفويا ولا تلقائيا في عرض معروض الأدباء الإبداعي. فشئنا أم أبينا لا يمكن أن تجتمع البساطة مع جهد حثيث في انتقاء البضاعة المعروضة وحرص العارض (معن) على عرض أفضل البضاعة التي استطاع الوصول إليها بجهد ودأب يحسد عليهما. وهو إن حاول أن يغلف المعروض بتقديم موجز وبسيط إلا انه كان يمكن تلمس خبث البائع وذكائه في اختيار بضاعته.
هذا من ناحية الاسم، أما من ناحية شكل التقديم فهنا يسجل لمعن ذكاء واضح في رمي الكرة في ملعب القارئ، فهو قد آثر أن يكتفي بمقدمة عامة عن كل أديب او أديبة دون التدخل في تقييم المعروض أو الانحياز لصاحبها، فكان حياده مقصودا ومدروسا، رغم انحيازه لتجربتين بفعل إيمانه بموهبة أصحابهما، إلا أن العموم خلا من النقد، وهو آمر قصده معن بوضوح، فهو بهذا كان يوجه رسالة للقارئ مفادها:
إنني أقدم لكم واجهة عرض واجعل من بسطتي جسرا بين أدباء شباب يبحثون عن منبر جدي لإيصال صوتهم وبينكم كمتلقيين لهذه الإبداعات ولا تتوقعوا مني التدخل فأمامكم النصوص وأنتم أحرار في تقبلها أو نقدها. وهو ما عبر عنه في المقدمة الثابتة والمنشورة كمقدمة لكل حلقة (لا أدعي هنا أنني عرابا، أو ناقدا، أو مميزا، أو متقدما على أحد، لأقدم هذه الأسماء بكل ما تحمله من طاقة، ولغة، وتجربة.. إنني هنا أحاول أن أكون كما أنا، هامشياً يقف على الرصيف، وأنادي على المارة الذين يحملون الجرائد تحت إبطهم ويمضون للمقاهي، والعمل، والأسواق.. أرجوكم انتبهوا لبسطتي هذه، فيها أسماء جديدة مختلفة بتجربة جديدة ومختلفة أيضا.. هم يستحقون أن نلتفت لهم، ونعجب وننتقد ونسرق ما يكتبونه على دفاترهم الخاصة، ونجادلهم الرؤى والقيم والهواجس، وأن نسبح معهم على شواطئهم).
وحتى لا يظن البعض أن معن قد تهرب من النقد لهذه النصوص فان انحياز معن لنصوصه ولأشخاصها كان جليا منذ البداية، فهو من اختار كليهما وهذا يعني إيمانه الايجابي بهذه النصوص ومبدعيها وإلا لاختار غيرها من النصوص والأسماء، وبهذا انتفت العفوية الوهمية ومحاولة الإيحاء بعدم النقد أو الحياد التي أراد معن أن نقتنع بها لترغيبنا على التهام النصوص ودفعنا بصورة ذكية للتفاعل معها، وإبداء الآراء ما دامت لم تخضع للتوجيه الأبوي النقدي منه. وهكذا تفرغ هو للانتقاء والبحث وأوكل للمتلقي مهمة التعليق التفصيلي أو النقد أو إبداء الإعجاب. وفي مجال المعروض يسجل لصاحب البسطة محاولته أغناء المعروض وتنويعه وعدم اقتصاره على جنس أدبي واحد، فضمت البسطة نصوصا في الشعر، والنثر، والخاطرة، والقصة، والرواية القصيرة، وبهذا التنوع وعدم الانحياز للمشهد الشعري دون غيره دفع أوسع قطاع من المهتمين بالإبداع لمتابعة ما ينشره في بسطته. وبات الوصول إليه من قبل الأدباء الشباب مطلبا لعرض انتاجانهم التي استطاع أن يقدمها بانتظام وكل يوم ثلاثاء عبر منبرين مهمين: جريدة "الأيام" الواسعة الانتشار في الوطن، وموقع "الفيس بوك" حيث عرضها في ذات التوقيت في صفحته ونشرها على صفحات العديد من الأصدقاء، الذين يملك كل منهم آلافاً من الأصدقاء، وبهذا ضرب عصفورين بحجر: تقديم النصوص في الصحافة المكتوبة التي لها متابعون مثابرون وعرض البسطة على جمهور واسع جدا من خلال الفيس بوك، لن تستطيع اي صحيفة الوصول اليه. ففي إحدى الحلقات وعبر عملية حسابية صغيرة دهشت أن الحلقة معروضة أمام اكثر من خمسين ألف متابع للفيسبوك، الا وهم عدد الأصدقاء الذين نشرت الحلقة على صفحات أسماء محددة تمتلك صداقات واسعة ومتابعة يومية.
ولعل معن لم يكن يتوقع ان تحظى بسطته بهذا الاهتمام الكبير، فقد كان أشبه بمن ألقى حجرا صغيرا في وسط بركة ماء راكدة فأحدثت دوائر ما لبثت أن اتسعت أكثر فأكثر ليصل صداها خارج جريدة "الأيام" والأصدقاء المحيطين بمعن والبسطة. وكأن البسطة، دون أن يخطط صاحبها لذلك، كأنها أتت كرد فعل على تردي وركود الحالة الثقافية الرسمية وخاصة في الوطن وتربع أشخاص على زمام الفعل الثقافي دون فعل ثقافي، أو لعلها جاءت فرصة لجيل الشباب للصراخ والخروج من دائرة المحلية المغلقة ومحاولة مزاحمة جيل الكبار الذين يتربعون على سدة المشهد الثقافي منذ سنوات طويلة. وربما هنا حملت البسطة أكثر مما تحتمل، ففي حين رأى فيها البعض خشبة الخلاص من "جيل شاخ" وأصبحت الثقافة بالنسبة لهم محل ارتزاق ذات ارتباطات مختلفة ولم ينس أن يتنبأ بأن "البسطة" أعلنت بزوغ الجيل الثالث من الكتاب في التاريخ الادبي الفلسطيني المعاصر، وهو جيل متمرد ومجدد ويظهر انه تجاوز المسارب السياسية والثقافية التقليدية الى عالم أوسع وأرحب إنساني وعام على مستوى النص والتفاعل الوجداني والانساني، جيل يتحرك في فضاء واسع من الحرية الفردية والتعبير عن الهم الخاص الذي يلامس العام بصورة جميلة وعفوية.
بسطة كتابة هي فعل ثقافي حر شعبوي انساني بامتياز واستطاعت أن تنظم حولها تجمعا لا باس به من الكتاب الشباب وان تخترق الحواجز المحلية إلى الإطار العربي والعالمي وبالتالي حركت من حالة الركود والتمزق والتشتت التي تعاني منها الحالة الثقافية الفلسطينية، لقد فاجئتنا بسطة كتابة بهذا الكم من النصوص لكتاب شباب مدهشين بحق، إنها حالة ثقافية تستحق الدعم والاستمرار. ولعل هذا الطرح حمل البسطة ما لا تحتمله ولم يتبادر إلى ذهن صاحبها أصلا، فهي تلقي على عاتقه مهاما قد تعجز عن انجازه وزارات مختصة بالثقافة فكيف سيكون الحال مع بسطة هدفها تقديم أفكار ورؤى جديدة تساهم في تطويرالتفاعل بين الأدباء الشباب وجمهور القراء وفتح ثغرة نشر أمام إبداعاتهم، بعد أن كانت حبيسة الأدراج المغلقة، والصفحات الالكترونية، او الرضوخ لهيمنة ومزاجية كتاب ومحرري الصفحات والمواقع الأدبية. ولعل الصدى الواسع الذي حظيت به البسطة، والذي لم يكن متوقعا، حتى لصاحبها قد ساهم في وضع آمال ثقافية كبيرة وشعارات ضخمة ورنانة وإلقائها على ظهر البسطة حتى قصمته. ففي فترة زمنية قصيرة، باتت "بسطة كتابة"، حديث الشارع الثقافي الفلسطيني، وباتت تتعرض للنقد وتأتيها المبايعة، ويتسابق الكتاب الأدباء الشباب لنشر نصوصهم وإبداعاتهم عبرها، لتصل أصواتهم المكتومة إلى القراء. ومما يسجل للبسطة هنا انها نجحت في الوصول الى قطاع ليس محليا من الأدباء الشباب الفلسطيني فنشرت لادباء شباب من الضفة او غزة او من الاراضي المحتلة عام 48 او من مخيمات اللجوء والمنافي، فاعطت بذلك لوحة فسيفسائية نادرة ومنوعة عن الانتاج الادبي الفلسطيني الشاب، واظهرت، دون ان يعلم اصحابها، وعبر نشر هذه الابداعات المتنوعة تأثير الموقع على الاديب الشاب وابداعاته باختلاف عناوين النصوص وحتى لغتها المستخدمة ومفرداتها وتوجهاتها وهمومها. ففي اسابيع قليلة كان بوسع المتابع قراءة نصوص لسامية عياش الفلسطينية المقيمة في الإمارات، ولرائد الوحش المقيم في سورية، ولطارق حمدان في الأردن، ولغياث المدهون في السويد، ولأنس احمد وفيروز شحرور من الضفة، وأسماء شاكر ونعيم الخطيب من القطاع، ومحمد مجادلة ووفاء كبها من اراضي الـ 48، وبهذا شكلت البسطة جسرا للتواصل ما بين ادباء الشتات والمنفى والوطن كاملا دون الرضوخ للتقسيمات الاحتلالية او لتقسيمات الامر الواقع السياسية. ولأول مرة تنشر نصوص لأدباء شباب من الخارج وفي داخل الوطن فظهر الامر وكأن البسطة"وحدت الكتاب الشباب الفلسطينيين في كل العالم".
وبات ملاحظاً في الاوساط المتابعة للشأن الادبي وخاصة الادباء الشباب انتظار صباح كل ثلاثاء، فهو موعد نشر البسطة واطلالة صوت جديد ليغرد في سماء الثقافة الفلسطينية. ولعلي كنت ممن كان في كل ثلاثاء وكما كتبت في احد الحلقات: "انتظر بسطتك بخوف.. انتظر اكتشافك لصوت جديد من الاصوات التي تملأ فضاء الوطن.. وكل مرة تفاجئني بحسن الاختيار وتجعل حاجبي يرتطما بالسماء من جمال النصوص التي تعرضها".
ولعل من المفيد التطرق السريع للنصوص التي بسط لها معن خلال تسع عشرة حلقة ومحاولة الإطلالة الموجزة على إبداعاتهم. وهنا لن أتناول الحلقات بالترتيب وإنما حسب توفر النصوص وتواجدها لديّ:

أسعد الصفطاوي، وهاني البياري/ جرأة النص واختلاف الصور

من جديد ارتشف أحرفاً جميلة مشعة عبر المبدعين أسعد الصفطاوي، وهاني البياري. ولاكن صريحا فانا لم اسمع بتجربة يراعات من قبل بحكم المنفي البعيد... لكني قرأت مجددا لاصوات مدهشة كـ (منال مقداد، وكوثر أبو هاني، وأحمد عاشور) علمت من بسطتك انها تفتحت في يراع. نصوص اسعد صورها الجميلة تتسم بجرأة واضحة: "وأنا ترجمةُ الملائكة أرضاً...
فعَلَ نايٌ أكثرَ من فِعلِ حفل راقصٍ لعاريةٍ ساديّة
- قلّبني في فمي
- أغمضَ سيجارتي
- نفخَ في صوتي
- تدلّتْ انفاسي ميّتةً إثرَ لحنٍ مزيّف"... "لا بدَّ
أن يرحلَ الشعراءُ عن شعرِهمْ
ويكتب الأسماءَ فتى ينضجُ لاوّلِ مرةٍ".
"... صدّق أو لا تصدّق
أن حشرة حبست نفسها، فلا أطعمتها ولا أسقتها
ولا بصقت أفكارها في عقل إنسانٍ
فكيف الإحساس حينها؟!!
لهذا حين تسترسل في نصوصه تزداد نهما لابتلاع المزيد من الكلمات.. فهي نصوص قريبة منك لكنك لا تستطيع لمسها فهي ان دققت بها حارقة من الوجع والالم الذي تتضمنه والمخفي ببراعة بين السطور: واحدٌ لقصةٍ، وقصةٌ لواحدٍ. والاثنانِ عند كلِّ صباحٍ "لا شيء".
أعمدةٌ من الألوانِ تُضحكني، تُمسيني وتحرقُني، تُدغدغ تفكير غيري بعملي
لكن: ما بال الانتصار بشطبي".
هاني البياري صوته كان واضحا وان احسست انه يتلاعب بالاحرف جيدا، فهو يمتلك ادواته بخبرة عالية ويوظفها بحنكة يشهد له فيها؛ "حبيبتي ينتهي النص،
بوجهكِ يترك المسرح، تغفو معه الستارة، وقلوب الحاضرين
يصفق لنا الجمهور، أنا كَـ "شاعر"، أنتِ كَـ "قصيدة". او كما هو واضح اكثر: "ومرة أخرى سأسرقك من حلمك، أحملك في عينيّ، أنتقي لك طعم اللوز، لترشقيني أخيراً بحظ نبيّ تعثر في امرأة من عوسج".
ولعله يجيد لعبة التساؤل الخبيث لانه يقودك الى الاجابة التي يريدها دون ان تدري: "صديقة، أصابني الصدأ، هل أنت مفاجأة العيد، البارحة نمت في متاهة فوقي سماء قرمزية، أزعجني صمت المدينة، لا صوت هنا، لا تنسيني كثيراً، علنا نتقابل على القمر في نسخته الأرضية، قمرنا الجديد أبيض، يشبهني ويشبهك، أين أنت؟، ومن أنا؟".

أيمن حسونة : الامساك بتلابيب اللغة

لم اقرأ هذا الكم من التفاصيل المكثفة من قبل والذي صيغ بكلمات من النوع السهل الممتنع، كلمات تجمع في جنباتها المباشرة ولكنها في الوقت ذاته منحوتة بذكاء وعناية وتوشي بان ايمن حسونه ليس بهاو لكتابة النثر والشعر وانما متمكن من ادواته وبارع في استخدامها بطريقة مذهلة. عناوين النصوص ملفتة للانتباه، فهو لا يكتب عن المجهول، او يحلق بنا في زخرفة الاحرف ومتاهات الكلمات المتقاطعة، بل يمسك بصوره من الحياة لكنه يصيغها بطريقة تعيد لها ولنا الحياة... اليس هذا ما يفعله حين يقول: ".. هدأ صوتُ المُوسيقى.. أسرَعَ النادلُ ليعيدَ تنظيف الطاولة التي اعتقدَ أنكِ ستجلسينَ إليها، تَسَمّرت عينا الشاب الذي ينتظرُ عندَ البابْ.. حاولَ مُديرُ المقهى أن يبدو أكثر هيبة.. وهو يَفركُ وجهه بيديه ليُظهرَ بيضاها من أي مَحبسْ.. تَحولَ شجارُ عاشقين مُبتدئين.. إلى حَديثٍ هامسٍ يَفيضُ بمفرداتِ الحُبْ... كَثُرَ روادُ المَقهى.. هكذا.. فجأة..!
.. لمُجرد أنكِ قررتِ ان تشربي فنجانَ قهوة.. في مقهى عادي قَبلَ دخولك..
.. ومفعم بالحياة.. بعد أن وطأته!! ... او في بعض التفاصيل: صَفحةُ الكتابِ المُستَلقي قُربَ رأسي ما زالت كما هي منذُ أكثر من عشرِ ليالٍ...لَم تتَغير.
كوبُ العَصير الذي وضعتهِ قُربي.. حينَ مررتِ لتطمئني على مَرضي بأنه لم يَزل مُتَمكنّاً مِنّي... لم يغادر مكانَهُ.. احتَفظتُ بهِ.. لأنسى!
الجرائدُ تملأ الصندوق في الحَديقة.. لم أتناول أيّاً منها منذُ أسبوع تقريباً!
القَهوة التي اشتريتها يومَ كُنّا سوياً... نَسيتُ أن أفرغها في العُلبة.. فتركتها قُربَ عُلَبِ - البهارات - فأضحت قهوة مُثمَلة بطعَمِ الكَمون... والكَثير من الغِيابْ!
.. المِنفَضةُ فاضتْ... وزهرةُ السيجارة استلذت بطعم السجاد.. فأكلَت منهُ قليلاً...!
.. باقَةُ الزهور البيضاء.. اصفّرت!
.. ثوبُ الاستحمام الأبيضْ.. اصفرَّ!
.. قائمة الحاجيّات اللازمة للبيت المكتوبة على ورقةٍ بيضاء... إصفَّرت!
.. وَجهي المُفعَمُ بالحب.. الناصعُ الشَوق... اصفرَّ!
.. الطريقُ إلى غُرفةِ الجُلوس.. ومنها إلى غُرفَة النَوم.. بجدرانها البيضاء...
أظلَمَتْ!!... تنهل من تفاصيل ايمن ولا ترتوي... تعجل معه في عالمه السحري برشاقة.. فتحسده عليه...: "كُنتُ أرافقُ سحابةً لِتمطر.. و اهروِلُ خلفَ شهابٍ سَقط.. لأمسكَ الأمنيات الملقاةِ قُربَه!........ كَيفَ تَبدو وَشوَشةُ الخلخال حينَ تَضعيه فوقَ "الجبس"؟!...... أنا شابٌ واحد... وأمهاتي كثيرات!.
.. لَم تلدني ولكنها أمي أيضاً، حتى وإن كان اسمي لا يبدأ بحرفِ العَين، فالقلوب لا تعترف بأسماء اخترناها نحن لتعلن حالة الأمومة!!....
نص ايمن او عناوين نصوصه تدفعك لاكتشاف المزيد من كتاباته... وانتظار اصداره الكتابي الاول... فاحرفه لها سحر خاص ووقع على الروح يشبه الموسيقى...

هلا الشروف: نصوص التفاصيل المدهشة

في الحلقة المخصصة للاديبة الشابة هلا الشروف كان لا بد من الترحيب الخاص بهذا الصوت الجديد فهلا تمتلك خاصيتين تتطلب الترحيب بهما، الاولى انها من الاصوات النسائية الجميلة التي بات على المهتمين بالابداع دعمها والوقوف وراءها خاصة مع تزايد المد الظلامي الذي يحاول الحجر على النساء واعادتنا لعصور الظلام. والثانية ان هلا فعلاً من الاصوات المميزة منذ مجموعتها الاولى، اليوم في ما اخترته لها تجد نصوصا جميلة دافئة مليئة بالسرد والتفاصيل ففي سيدة لا تشبهني تحلق هلا في التخيل وتجعلنا نعيش معها هواجسها وعالمها الخاص والملتبس: "سيدة لا تشبهني
تخلع الماضي
على طرف السرير
وتركب أولى الطائرات
إلى احتفالات السنة الجديدة...
فالذكريات خفيفة
كوشاح صيف
في هواء مر"... "وأنا هنا....
على أرض هم
وبين الزوايا...
أنام قليلاً وأصحو قليلاً
وأفرش ذاكرتي فوق كتفي
لعل الليل يبصرها فيتعب
ثم يرحل
خلف غيماتٍ تمر"...
جميلة ومدهشة هذه المقارنة الثنائية بين الذات والمشتهاة... بين الواقع والحلم ... خاصة ان عبر عنها برشاقة وباحرف مليئة بالاحساس: سيدة لا تشبهني
تخرج الآن من حلمها
تفتح نافذة للصباح الودود
وتغري عصافيره
أن تحط على شالة من قصب"...
في نص ايلول تكثف هلا من صورها ويزداد عمق الاحاسيس لديها ويصبح للنص نكهة جميلة معتقة لكنها حزينة: "وأنا نهايات احتراق الصيف والذكرى
وأول لسعة
من برد حب مستحيل أو شتاء
أنا كل حالات الوجود
أنا العصي على الكلام
أنا الوحيد........ أنكون أنفسنا غداً؟
هل نحن وقت؟؟
أم للوقت صورته التي
ترمي علينا وجهها
لنكون وقتاً من بشر
وهل نحن اختصار الأسئلة
عما يمر على الزمان من الزمان
ومن تفاصيل آخر؟
هل تكبر الأيام فينا حكمة
أم هل نشيخ ولا ترانا
غير ظل قد عبر"...
النصوص تفيض بالرقة كما في نص الحب يقتلني على مهل.. هنا تقف حالما مع هلا مأخوذا بصورها التي توصلك الى خاتمة رائعة: فلا أنا
فوق الوسادة استميل الحب لي...
ولا أنا بيديك
كي تهوي قتيلاً"...
هلا صوت يجب ان لا يتوقف... فاستكانته للسكون خسارة كبرى.. خاصة انها تمتلك الكثير فالكثير مما لم تقله حتى الان.

تغريد عطا الله/ المشاغبة الجميلة

كنت قد قرأت لتغريد اكثر من نص، وكلما هممت بالكتابه لها كان امرا ما يعطلني عن نصوصها الجميلة، فكأن القدر كان يرجئني لاكتب عنها هنا فيضمن هذه المادة عن البسطة... لن اتحدث مطولا عن هذه الشعشبونة الجميلة التي نقلت لنا احساسها المرهف بوقع هذه الكلمة عليها بكلمات بسيطة ساخره لكنها تدفعك لتذكر طفولتك بالرغم عنك ومعها الاسماء التي كنا نتنابز بها ونحن صغارا، ونهاية القصة جميلة جدا كأنها نيوتن يصيح: "كل ما أعرفه أني مؤخرا اكتشفت أنّه ربما هناك ثمة تشابه بيني وبين (الشعشبونة) أي خيوط العنكبوت، وأنّ الطفل لم يكن سوى وسيط لإعلامي بهذه الحقيقة، ما دفعني للتفكير ملياً والفحص والبحث في ملامح وجه أوهن بيت.. أنا شعشبونة... أنا شعشبونة". اما نص جدتي فقد ابكاني لانه ذكرني حقا بجدتي اليافاوية صاحبة الحكايات كانت كجدتها تماما تحب صبغ شعرها والثياب المزركشة القصيرة والنقود الورقية... الا انها كانت دوما حزينه لانها تركت وراءها كل ما تملك في يافا... هي جدتك/ جدتي/ جدتنا/ كل الجدات يا تغريد وقد وصفتها بدقة تحسدين عليها. في اين نصي الجديد تتحايل علينا تغريد وتمرر صورها الجميلة بذكاء ملفت للانتباه لتجعلنا نتساءل معها في النهاية ان لم يكن هذا نص جديد فكيف هو النص الجديد... في نص مرآة الروح تعالج تغريد مسألة الزمن وانعكاساتها علينا باسلوب ادبي جميل وبصور مذهلة، تفاصيل صغيرة تجعلك كأنك انت الواقف امام المرآة التي تعري اثار الزمن ليس على اشكالنا فقط وانما علي ارواحنا... "تآكلت مرآتي.. وبدأ شبح البعد بيننا يظهر شيئاً فشيئاً ويوماً ما قلّ فيه العزاء بكيت فيه أمام صدئها البني المحمّر، فاجأني صدؤها بيد تحمل بين أصابعها وردة مزهرة بلون أحمر قان، وللحظة شعرت وكأنّها يد جاءت امتدت لي من العالم الآخر لتعزيني، فقلت: يا لحظي السعيد! كفكفت دموعي، وفرحت بمرآتي الصدئة!"... نصوص تغريد تحتاج لقراءة مطولة فهي جمعت ما بين القصة القصيرة والحكايه في ان واحد... ومزجت بينهما باسلوب بسيط احيانا وبمراس ادبي وتمكن من التقاط الحروف وتطويعها في احيان اخرى... اتمنى ان اقرأ لتغريد اكثر فاكثر فهي ستكون من القاصات الفلسطينيات البارزه ان لم تتوقف عن الابداع..

محمد عطا: وهج الاحرف وبريقها الآخاذ

في نصوص محمد عطا تجد نضجاً واضحاً ومقدرة على الامساك باللغة من حيث بهاء الصور وجمالها والق الاحرف المنسوجة باحتراف واضح، ومن الواضح نضج تجربته الشعرية في نصوص مختلفة لعل ما نشرته البسطة مثالا عليه، فهنا يتلاعب محمد بالصور الشعرية بطريقة مدهشة ويجعلك تعيش النص وتحسه دون ان تشعر:
"نحن
بأرجلنا القصيرة
وشفاهنا الجافة
لا نعرف الصحراء
ولكنها بنا"، وينقلك برشاقة في عالمه المتخيل القاسي احيانا ولكنه في معظم الاحيان رقيقا شفافا مليئا بالحب: "في البلاد اللازوردية
عشق الإله ثلاث نساء
وأنت الرابعة
ولـم يشبع من حرب القبل".
ما نشرته البسطة من نصوص لعطا جعل العديد منا يفتش عن نصوصه الجديدة، ويمكن القول ان مع كل نص جديد لعطا نكتشف أن أحرفه تزداد وهجا وتدفعك للاعجاب بتجربته الشعرية وبمواهبه المتعددة والملفتة للانتباه. ويمكن القول دون تحيز انك مع كل نص جديد تكتشف محمد عطا اخر، فهو يدهشك بصوره وبخيالاته وحتى في شخوصه المتعددة والمرسومة بدقة. وتحس كأن نصوصه تتراقص فيها الانغام والصور وتتلاحق دون توقف حتى تقطع نفس القارئ المتلهف لالتهام المزيد منها."...
الـمطر جاء غزيراً
يغض على أطراف أصابعك
يرتب خصل شعرك في حياء
ويترك ربع قبله تحت ثغرك".
في النص الثاني يتفوق عطا في رسم الصور بدقة متناهية فتأتي حاملة اكثر من وجه ومعنى وكل متلق يفسرها كما يشعر بها. "كأني لـم أعد حياً
في هذا النهار الطويل
والليّل احتضار الفرائص
كأني أحملُ نعشي
على طبق من غمام
كي يفتح شهية الـموت
على مصراعيه
وعلى روحي الـمتعبة
ويقطع السبيل...
على حلـمي الثقيل
كأنّ الكلام الـمختل
يلفظ أنفاسه الباقية
ويكتب خلسةً
خطبة وداع أخيرة
لحبٍ يمشى الهوينى
على درب الرحيل....
وكأني لن أرى أحدا سواي
يمرّ كسحابة صيفٍ
على لحدي
ويُلقي عليّ لفظة شكرٍ
تؤخر موتي
إلى عمّا قليل".....

فيروز شحرور: رهافة النص وألمه الكبير

لم أقرأ من قبل لفيروز شحرور، وأأسف ان أقول، لعله بسبب المنفى، لم اسمع باسمها لجهلي المدقع بالحركة الادبية الشابة في عموم الوطن، الا ان النصوص التي افردتها البسطة لها جعلتني اتوقف امامها مطولا فنصوص فيروز مليئة بتفاصيل الحياة وبكل الوانها، وحين تقرء لها كأنك تعيش الحياة بوجعها وألمها وبحلوها ومرها، ففي جسد الأرصفة تصدمك الصورة القاسية المليئة بالغربة حتى عن الروح:
"يحمل وجوهاً متناثرة
بعبق الوجود الـميت
تستلذ أنثى بخلع وشاحها
عمياء
صماء
تتحدث كل اللغات
وتبتعد أفعالنا عنها"
ومن يدقق في صور فيروز سيجد صورا رقيقة ولكنها مغرقة في التشؤم: "الوقت يعوم في الأمكنة
فائض فراغ
صار الوطن ورقة وألوانا
والحب زئير وآهات
تلك حقيقة". في تفاصيل النص صور جميلة رغم قسوتها، صور تشي باحساس كبير ومعرفة بتلاوين الروح "وضوح كاذب، ترتعش النساء الفاضلات، يبكي الرجال فوق أضرحة الشرف، ينتهي شيء، وتبدأ كل الأشياء".
لعل هذا المقطع يؤشر على مدى الالم الذي يفوح من نصوص فيروز والذي يصيبك بالدهشة لحدته وقسوة صوره:
"اشتهى الفؤاد فيه هجرة
لا وطن لي
لا سقف
ولا حتى رجل
حين اندثر
يواسي
اغتصاب الشمس من حرقتها..."
في نص جوع تقرأ نصا متعبا للروح، مليئا بالقنوط والكآبة، لكنك رغم كل هذا تحبه وتحس كانها تكتب عنك، هي تكتب عن الهجر والخواء والوحدة القاتلة:
"لدي ولدان بالأصل، وأنا حبلى... لـم يعاشرني زوجي منذ سنتين... أو بضع سنين. لـم أعاشر غيره بالطبع، ولكني حبلى... أشعر بذلك. يفاجئني إعيائي صباحاً... يقتلني التفاف الأرض حولي... أحشائي تتلوى وتغص
أنا لـم أقل لزوجي إنني حبلى... وكيف لي ذلك؟؟... فهو لـم يعاشرني، ولـم يجث فوق الوقت الـميت بزفراته الساخنة... كيف أبرر له رطوبتي الفجائية وهو الـماء... جافة... ذابلة... مرتعشة... عطشى أنا.
أذهب لطبيب نسائي ذات يوم... قدماي تتدليان كسيقان ذرة في يوم حار... أرتعش خوفاً ورغبةً
"هل أنا حقاً حبلى"..
يربكني صوت تمتماته، واتساع عينيه في الأفق...
"هنا تدخل الحياة... هنا تخرج الحياة". يقف... يوليني ابتسامة صفراء ويمضي نحو عرشه.
"... البرودة في نصف جسدك ليس إلا... ابحثي عما يلهب اللهيب... أنت لست حبلى".
ينقصك هو
نصوص فيروز تؤشر لموهبة كبيرة ننتظر منها الكثير ونترقب المزيد من نصوصها المبهرة.
ü

سامر عبد الله: كاتب فلسطيني يعيش في ألمانيا
تاريخ نشر المقال 29 حزيران 2010
· · المشاركة
  • Suad Issawi‏ و Touria Uakkas‏ و Ishraf Shiraz‏ و 13‏ آخرين‏ يعجبهم هذا.
    • Rasem Almadhoon جهد رائع يا سامر عن بسطة تستحق فعلا
      29 يونيو، الساعة 01:17 مساءً‏ · ·
    • Ma'moud Kaawash كما عودتنا دائماً تهتم اهتماماً خاصاً بالحركة الثقافية الفلسطينية وتبذل جهوداً مشكورة لتقدمها للآخرين بالشكل الذي يليق....بوركت وبورك جهدك الجميل وعطاؤك المتواصل
      29 يونيو، الساعة 01:57 مساءً‏ · ·
    • Maen Barqawi شكرا يا صديقي سامر عبدالله,والشكر موصول أيضا للصديق الجميل معن سماره على مجهوده الجميل في بسطة كتاب...أتمني لكليكما التوفيق والنجاح في خدمة قضايا الأدب والأدباء الشباب..شكرا لكما ألف شكر.
      29 يونيو، الساعة 03:04 مساءً‏ · ·
    • Angel إبنة الأرز جميلة بادرتك وان كانت ليست الاولى صديقي العزيز سامر
      دائما تحضن فلسطين وترسل فيها اسما معاني الصمود الا وهي حركة الثقافة الراقية
      بوركت صديقي
      29 يونيو، الساعة 03:24 مساءً‏ · ·
    • Aida عايدة نصار تحياتي لك ولمعن ولكلّ من ذُكر هنا
      29 يونيو، الساعة 07:21 مساءً‏ · ·
    • Majida Ghneim
      مساء الخير عماد ابو حطب ..واسميك في اسمك الحقيقي لاني اول مرة اراك في صورة الاصل..ايها الفلسطيني ...اهتمامك في بسطة معن يعني مشاركته في رمي الحجر , والذي اراه بين اعين النائمين .
      معن سمارة ابدع في الفكرة وحاول ان ينفذ قدر ما امكن ..واعتقد ... انه نجح بنسبة كبيرة ..وقام في مجازفة لتحمل مختلف الردود ..وكان من الذكاء ان توقف في الوقت الملام ..لهو تحياتي ولك العافية يا عماد على الجهد الذي يماثل جهد معن سمارة ..ودمتم للوطن احرار مشاهدة المزيد
      29 يونيو، الساعة 08:58 مساءً‏ · ·
    • Yosr Fawzi بورك جهدك أيهـا المبدع ,,,, بهذه القراءة تسنى لنــا معرفة العديد من الأقلام .... ألف شكر .... و دمت دومــا على كرامة
      29 يونيو، الساعة 11:19 مساءً‏ · ·
    • Naim Al Khatib جهد مشكور عماد، إحتفاء يليق بمعن وبالبسطة
      30 يونيو، الساعة 12:10 مساءً‏ · ·
    • Touria Uakkas
      قرأت نصك الذي بدوره كان بسطة لبسطة الصديق معن و أعجبتني هذه القراءة المحفزة لقراءتان؛ قراءة كل ما كتبه معن و قراءة نصوص هؤلاء الشباب
      بودي لو أن كل واحد هنا حاول تقديم نصوص الأخر الفيسبوكية لخلق جو رائع من الحوار الأدبي الجاد بدل الاكتفاء بت...لك التعليقات التي يغلب عليها طابع المجاملة أكثر
      أقول هذا لأنني قرأت نصوصا شعرية و غير شعرية رائعة و تستحق دراسات و قراءات بحجم جمالها
      أعلم يا أستاذ سامر أن السهل المبسط الجيد أو النقل السهل الممتنع لا يكون الا الأجمل جودة و نتيجة
      و شكرا لهذه القراءة و تحياتي لك و للاستاذ معن
      مشاهدة المزيد
      03 يوليو، الساعة 02:38 صباحاً‏ · ·

بسطة كتابة إطلالة جادة على المبدعين الشباب الفلسطينيين /معن سمارة يلقي حجراً في المياه الراكدة

بسطة كتابة إطلالة جادة على المبدعين الشباب الفلسطينيين /معن سمارة يلقي حجراً في المياه الراكدة

من سامر عبدالله‏ في 27 يوليو، 2010‏، الساعة 06:14 مساءً‏‏
بسطة كتابة إطلالة جادة على المبدعين الشباب الفلسطينيين

معن سمارة يلقي حجراً في المياه الراكدة
عماد أبو حطب (سامر عبدالله)

تميزت "بسطة كتابة" في تتبعها للإبداع الفلسطيني الشاب بمختلف أجناسه الأدبية، فنشرت نصوصاً في الشعر والقصة والرواية لأدباء تنوعت مشاربهم الفكرية والمكانية، ما انعكس على إثراء للمشهد الأدبي الفلسطيني الشاب استطاعت البسطة ومعن أن ينقلها بأمانة كبيرة وبأسلوب جميل شد كل من تتبع البسطة في حلقاتها التسع عشرة. ولعل البعض قد أخذ على البسطة تنوع معروضها وتفاوت مستوى النصوص المقدمة عبرها، والبعض الآخر اتخذ من تفاوت مستوى المواد المعروضة مدخلاً لنقد فكرة البسطة من حيث تقديمها الغث والسمين في طبق واحد وعدم الفصل بينهما. لعل من المفيد هنا مع استعراضي لمجموعة جديدة من النصوص التي عرضتها البسطة الإشارة الى أن جل هذه النصوص هي لأسماء لم تخرج في تجربتها في النشر خارج الإطار المحلي الضيق، ولعلها المرة الأولى التي تحظى بفرصة للاحتكاك الواسع مع جمهور أوسع من جمهور الصحف أو بعض المنابر الالكترونية المحدودة الانتشار الى آفاق أوسع أتاحت لها التفاعل مع شريحة واسعة ومتنوعة ومتوزعة المكان والاتجاهات، وهو ما يسجل لهذه التجربة...ومن يدقق في النصوص الواردة سيتابعها بشغف وسيتعرف على أصوات ربما لم تتح له الفرصة من قبل لمطالعة نصوص لها .

رائد وحش: سخرية النص المؤلمة
حين تقرأ لرائد وحش تقف مطولاً امام نصوصه، فهي بشكل او آخر تجسيد مكثف للحياة، لكنه الجانب المؤلم والساخر والناقد لكل ما تدركه وترصده عين رائد ويعيد رسمها من جديد باسلوبه العفوي والتلقائي في نصوصه. في كل ما يكتبه رائد تجد تجانساً جميلاً من الحب والامل والحياة وجميعها مسكونة بألم خفي تحسه ما بين السطور، في مفرداته التي يحاول ان تكون مازحة احياناً او طريفة...لكنها وبقصد منه تكون مؤلمة وساخرة. في النص المعنون:"سأتزوّج أنجلينا جولي" تتلمس سخريته المقصودة من احلام ابناء جيله او من سبقهم او من سيأتي بعدهم.
ففي هذا النص يكتب بسخرية كبيرة عن وجع الاحلام وعن واقع بائس نجده حولنا اينما تلفتنا.." سأتعلّمُ الإنكليزيّةَ في خمسةِ أيّام
لرسائل الإيميلْ
ومحادثات الماسنجرْ
عن سيناريو فيلم ٍ
من وحي ِ قصّتنا
عن شخصٍ يحبُّ نجمةً
وحين يلتقيها
يتجنّبُ أحاديث المعجبين
ليكون أو ما يقوله
بعد التّحية:
آن الأوان..
كفى انتظاراً..".. وبتهكم كبير يكمل:"أنجلينا.. الحبّ يجعلنا فنانين
هذا الهوس الغامض
كفيلٌ بجعل الحمار يرسم
أو ينهق قصيدةً
وبالنّسبة لي، كحمار على الأقل،
سأحبُّكِ
كما لو أن الحبَّ لم يكن من قبل."..
ومن هذا المدخل يلج بنا وبحنكة واضحة الي لب القصيد:"بقروشي القليلة نقطع تذاكر المترو
وفي منتصف المسافة
أدعوكِ للبحث عن نفقنا
تحتَ الأرض
وبملايينك نشتري لوحاتٍ لإدواردْ هوبرْ
وبيوتاً تكون وقفاً للعشاقْ..
سيّانِ نحنُ
فإذا كنتِ من فئة الأعلى أجراً
محسوبكِ عاشقٌ بلا تسعيرةٍ أو كفالةٍ
في حبٍّ عظيم ".
وبكلمات متقشّفة، غير مبهرجة، بسيطة لكنها حادة كحد السيف تصل السخرية الى مداها الاقصى "عليك اللعنة يا حبيبتي!
منذ أرادتكِ نفسي
وأنتِ، بالنكاية، تتبنّين زنوجاً
وتتركيني أقلّ من يتيم ٍ.
وتتزوّجين، داخل الشّاشة وخارجَهَا،
جاعلةً منّي ديكاً يبيض عزوبيةً."...
في هذا النص يستفيض رائد في تبيان ان احلامنا الموؤودة اسبابها كثيرة:
من وجد امرأته
باكراً
رَفَسَ الدّراسة
وعلّقها شهادةً عليا....ومن تعلّق برفيقةٍ
في الحرب
دشّنته إنساناً بين الأنقاض
تحت قذائف الهاون
حملها عاهة ً دائمة ً....ومن تسلّل من حدود دولة
والتجأ في مواطنة
إلى أن انكشف
وأعادوه على حساب سفارة بلاده
صارتْ تلك جنسيّته"...
هو هنا يتحدث عن احلام ضاعت وطرق خلاص لم يكن مصيرها افضل من الاحلام...ولم ينس في النهاية ان يتحفنا في نهاية امسك فيها بأحرفه وراقص الكلمات وابدع ليقول لنا ما كان سابقاً مكتوباً باحرف بسيطة سترون عكسه تماماً في نص قصير اخاذ لكنه مليء بالصور الرائعة
"مجرّد شخص ما
كمدمنٍ يُحبُّ
وينسى..
أوّلَ الشهرِ
يتصرُّف كمليونيرْ
ثم يقضي المتبقي منه شحاذاً.
يقنع فتاةً أنه تخلّى عن الأكاذيب
فقط ليتأكد
أن لياقة كذبه على ما يرام.
يبذّر اليأس
بسعادة متوحشةٍ.
يخرج من البيت
ومعه ما يلزم
وكأنه لن يعود..
مسكونٌ بالغجر
وحكمتُهُ:
الرّقص على كل شيءْ
الرقص كل ّشيءْ.
لا يبالي..
يعيش كشخصية ٍ متخيّلةٍ
في بال كاتب
لا يفعل سوى انتظار نص حياته."
ما اورده معن في بسطته عن رائد يدفعك لمزيد من البحث عن كتاباته، وستفاجأ انك كلما وجدت نصا جديدا له ستحب نصه وتتعلق بكتاباته دون ان تحس وتدرك..وستتحول الى مدمن لنصوص هذا الوحش الجميل...

وفاء كبها تجاوز لتابوهات الحياة اللامقدسة
في نصوص وفاء كبها تجد كماً كبيراً من المشاعر المتدفقة.. سيل مكتوب بلغة جميلة لكنه في الوقت نفسه يحمل بذور ثورة على ما هو سائد سواء في المشاعر ام في المجتمع المحيط بنا..صور قاسية في بعضها:"ستجعل منك الموسيقى ميتاً أو مقتولاً...كثرة الوجوه أو قلتها لا تعني الكثير". وتتوارد صور وفاء التي يجمعها شعور واحد:الوحدة والالم معا "كثرة الوجوه أو قلتها لا تعني الكثير....الذكريات تجيء، تجيء ولا تؤذي!.." ويبدو ان الجامع الاكبر لنصها الاول هو البحث عن الحب الذي ينهي هذه الوحدة المتغلغلة في الروح...وابقاء امل في تغيير قادم غير محدد المعالم؛ "اجعل الرسائل لا تنفكُ تذهب منك حتى تعود إليك، مُحملّة بالأمل، بالأمل!"..

في نصها الثاني "للزنبق أوان لا يشبهني" تعلو احرف التمرد عند وفاء وتظهر معركتها المختبئة مع تابوهات متعددة: "سيكفر بما تبقّى من عقائد دنيوية أو دينية ويؤمن أن لا اثنين خارج هذه السماء إلا هو ومن يراها في المرآة."..إلها واحداً سيكون له عمّا قريب .. هو ذاته الذي سيضع له العطر وينظر إليه في المرآة .. يقلبه بين يديه ثم يقبّل جبينه والفرح !...ولعلها تكون واضحة جدا في تتبعها لاختلاف المشاعر بين الرجل والانثى الشرقيين، فهي "ستعّد للمطر سفينةً وشراعاً من ألوان زاخمة" اما هو "يبقى هو كعادته منذ سنين معلقاً بين فصلين لا يعرف غيرهما .. وبين ارض وسماء قد حاول خلق غيرهما لرائحة النسرين خاصته .. !" في نصوص وفاء تجد حنيناً كبيرا..وحباً دافئا وتجد تمردا واضحا لا ينتهي..احرفها جميلة ومعبرة وراصدة بدقة لما يختلج في صدر انثى تحلم بتغيير يشمل كل شيء بما فيه اساليب الحب المترددة..."حين انتهت الأيام الفضيلة التي مازالت أمي تتحدث عنها .. عاود الآخرون احتساء النبيذ "قليل الحياء" خاصتهم.
وحين تسألني لماذا نبيذك قليل الحياء لن أعطيك إجابة تتوغل فيك. سأقول لك ان نبيذك قليل حياء بدوني وبدون بقايا خطواتي على الشارع ذاته هناك.."
ولعل نصها ما بين الاسود والاسود جاء خلابا في صوره ودقة مشاعرهما بين الأسود والأسود ضاعت الأمور. أنا أتذكر أن الأسود لونُ يشكل كل شيء من حوله ويشكّلني .. ويراقصني ويدغدغ فترات المراهقة المتتابعة لدّي.....سيأتي مقيتاً ووحيداً هذا المساء ويحكي لي فقط عن اشياء رمادية او بنفسجية أو اشياء تشبه الواناً أخرى قد يكون إحداها غيوراً ويدمر بعضاً من كينونتي بكمشة تراب لا تشبه وجه ذاك الصعلوك "رأفت" إنما تشبه تراباً لا يعرفه سواي وسواه."...
من يقرأ وفاء لن ينسى ما قرأه من نصوص لها فهي ستلاصق روحه لفترة طويلة...شاء ام أبى

اسماء شاكر: دهشة الخيال وحلاوة التفاصيل
عندما تقرأ نصاً لأسماء شاكر ينتابك شعور كبير منذ اللحظة الاولى ان النصوص التي ترتشفها لا يمكن ان تكون لشاعرة شابة، فهنا تجد تكنيكاً مختلفاً في بناء النص، احرفاً تعرف صاحبتها ما تريد منها، اختزال في الكلمات لكنه اختزال مدهش مكثف لا تبذير فيه ولا بهرجة وفي الوقت نفسه تراه مليئا بالصور والتفاصيل الجميلة.
في "تعويذةُ الذهَبِ الأبيضْ" ترسم أسماء وعبر صور متلاحقة نصا يتعبك من ملاحقته والتركيز عليه حتى لا تفلت منك صورها الاسرة والتي تفوح منها رائحة حكاية جميلة وحزينة في آن واحد، وبكلمات قليلة تجعلك تعيش ما كتبته، وتترك الخيال للانطلاق لاقصى مدى مستمتعا بصورها ..
"يَرشَحُني عَرَقٌ بارِدٌ .. دونَ رَائِحة، يُهَدهِدُني الأَرَق، يُخَلْخِلُ الليلَ فيَّ كقِماَشة على حَبلِ رِيح ٍ صَعبة الـمِراس.
يَبتلُ شَعرِي القَتيِلُ بِوسَادَةِ مِلح، أبْتَلُ بفَرَاشةٍ مَوشومَةُ الظِلِ... تغوِي ضُوءاً أعمي فَقَد انعِكاس الـمَرايا."

وحين تكمل النص متتبعا كيف تتلاعب بالوقت وتساقطه تم تكسره دون دوي وتحاول ان لا تشرد بعيدا في خيالك فالليل تيبس والكوابيس استيقظت، صور متلاحقة سريعة في تواردها كأنك تطالع فيلما سينمائيا لا تود ان يفوتك تفصيل من تفاصيل الصورة :"يتسَاقَطُ الوَقتُ بِثمالة، يَتكَسرُ على حَوافِ انهِيَاراتٍ صَغيرة، كخَريف، كَخِفَّة ... كَعُمق ٍلا كُّنَه له.
يَسقط ُ دُون دَويّ ...
وُدونَ ُسقوطٍ أَجِدُني مَصلُوبَة علي سَريرٍ من وَحشَة، يَهُزُّ النَبضَ، يُوقِظُ الكابُوسَ في صَحويّ الرَخو، فأرتجِف.
يَتيبسُ الليلُ، يَعلقُ كغيمةٍ خشنة فوق نافذة... كانت تُصلي للنوم، وللـمَناماتِ البعيدة، وتغفو.
يَتقّرحُ السهر في عينيّ، يُحدقُ بصمتٍ ذاهل قتامة َالفراغ ِ ... ظِلُها النزِقُ الذي يتهدلُ السقفَ بعناد، مُتهدِّجاً كخفق ٍ بعيد، مُعبأً بالسرابِ ككائن ٍ خرافي.
كانتْ تَدورُ في طقس ٍ راقص، يُشبه الانتحارَ على شَمعةٍ مطفأة بالانتظار ... تلـملـمُ نزف غيابها، تنحسرُ في جهةِ الضوء وفي ظل الحكاياتِ الـملونة... تخفتُ كلـما انتفضَ تَوقُّدٌ أزرق، مخدراً بستارة الهواء التَعِب.
كانتْ ترْزَحُ كُحلاً رَطِباً يُشبِهُ البُكاء / تصلِبُ جناحَيها بِكبرياءٍ قديم / تتجمدُ على عُنُقي كموتٍ رُخامي... كتعويذةٍ ... من ذهَبٍ أبيض."
في نصها المعنون "حرب ...من الجهات الأربع." تبحر مع أسماء
في يومياتها تعيش الحروب دون ان تكون موجودا بها، وتنقلك في تفاصيلها المعاشة ولكن بلغة جميلة، تسمع الانفجار وتتلمس الشظايا وتناثر الزجاج وتشم رائحة الدخان وتلسعك النيران...كل هذه التفاصيل تصوغها اسماء بدقة، وتجعلك تعايشها، ولعل ذروة الالم والوحدة تجسدها في ما كتبته:"(الجيش الإسرائيلي يعلن عن بدء العملية البرية في القطاع)
أحرك السكر في كوب الشاي... أحركه ولا يذوب، يضيء ذاك الجهاز...
تصلني رسالة على عجل: "أدعو للـمقاومين، إخوتي خمسة راحوا... هناك".
يبرد الشاي ، تدور الزنانة... شريط الأخبار يدور، يقول الـمراسل:
"يبدو أن الأيام القليلة القادمة ستكون أسوأ من ...".
لتنهي نصها بصورة واقعية جميلة:"ضجيج الصبية يلعبون في الحارة، كان أحدهم يجمع الأوراق الـمتساقطة بفضول، يشكها بخيط، ويركض منتعلا الأرض... يصيح : "مناشير .. مناشير للبيع".
يتبعه بقية الأولاد، يخطفونها من يده، يمزقونها... ويضحكون."
نصوص أسماء الاخرى "غَيمة قَرِيبَة.."،"الطِفْلةُ... الثَلج"، تشير الى امتلاكها ادواتها بشكل مميز وواضح، الامر الذي يضيء ويشير الى وجود شاعرة سنسمع باسمها كثيرا رغم انها عمليا تنتمي الى الشعراء الشباب الا انها واقعيا ستزاحم الكبار بعد فترة وجيزة.

شادي أبو جراد: قلق الاسئلة والحياة
نصوص شادي أبو جراد قصيرة اشبه بالبرقيات او رسائل الماسينجر، هو يلجأ لتكثيف فكرته، لا يطيل الشرح ولا يتلاعب بالاحرف والكلمات، يعرف ما يريد من نصه القصير، يكتب بتلقائية واضحة، لكن كتاباته تغوص في الاعماق لتطرح اسئلة وقلقاً نمر به جميعا.
في نصه "الغريب قبل الجمعة" واختيار العنوان له دلالاته يكثف شادي كلماته ليخبرنا بان الذاكرة لا تشيخ وأن القلق سمتنا الابدية حتى وان كان ليلة الراحة/الجمعة:"بين الخميس والجمعة
ثمة غريب
لـم يتعلـم النسيان،
لا سيما أنه يمارس التخييم
منذ الولادة...
وبين الخميس والجمعة أيضاً
يخرج الغريب
مثل أرنب الساحر
بأذنين من قلق !!"
في نصي "جمهور" و "إجازة" يعلو الاحساس بالوحدة ولعل الألم هنا اوضح :
"وحده البعوض
يدرك موت البطل
في النهاية !!"... او في "الصفحة تبدو
أكثر بياضاً
ربما،
لأنّ غداً إجازتها الأسبوعية !!"...
في نصوص شادي تجد تفاصيل كثيرة وصوراً متناثرة يجمعها بهدوء ملحوظ ويركب منها مشهده الشعري:
"إلى حتفي
ألف روحي بورق السوليفان
كي تصلك أكثر لذة...
أظنني لـم أدرك موتي
على عتبات مائك !!
إذا...
سأحاول اقتفاء الحصى في درب الأقحوان
فارّاً من جناح قبّرة..."
في نصه حول بطاقة اليانصيب ابدع في ايصال فكره الحلم المستحيل المبعثر والمجهض لالف سبب وسبب:
"كل ما تمنيت في عام مضى
أودعته بطاقة يانصيب
خلّفتها في حضن إحداهن
فِ العام الذي مضى...
أخبرتني للتو
أن بطاقتي لـم تربح...
كل ما تمنيت في عام مضى
أجهضته إحداهن على رصيف...".
ولعل رسالته القصيرة عن ذلك المسؤول بالغة الدلالة ولا تحتاج لتعليق اكثر من قول انها بدقة تجعلك ترى مدى البعد بين المسؤول ورعيته:"
غداً في تمام التاسعة
ستسير إلى رام الله ..
هذا فقط ما ألقاه في أذني
مسؤول أكبر شأناً
وغاب عبر ترددات لاسلكية ...
منذ التاسعة تماماً أفكر...
ما الذي سيدعوني للذهاب في وجهة مجهولة
وان كان صوت مسؤول أكبر شأناً ؟؟!!".

اختيارات موفقة فقد جعلتنا نطل على تجربته الشعرية عن قرب ونحرص على تتبعها الى ما لا نهاية:"في تراتب لا متناه
إلى حتفي تسير بي الحياة ..."

سامية مصطفى عيّاش: من الغربة تطرق ابواب الوطن
قد يكون اختيار معن لفصل من رواية وليس احدى قصص سامية مصطفى عيّاش مخاطرة كبيرة، خاصة اننا في العموم نفضل ان نقرأ رواية كاملة وليس فصلا يتيما منها قد لا تسنح الفرصة للكثيرين منا اكمال بقية فصولها، وظننت ان معن قد خانه الذكاء في هذه المرة وانه كان ينبغي اختيار نصوص اخرى لسامية خاصة انها تكتب في اكثر من جنس ادبي، حين قر أت الحلقة اخذت بجمال النثر المدون وكأنني اقرأ قصيدة وليس فصلاً من رواية، وظننت انني اعجبت بما خطته سامية لانحيازي الفطري لادب الرواية، ولكنني عندما تابعت ما دونه مجموع الاصدقاء حول الفصل الاول، رفعت الراية وقلت في سري كسب الرهان معن من جديد واقحم الجميع في تتبع موهبة كبيرة في عالم السرد.
سامية في فصلها الاول رسمت الوطن بريشة الفنان، بتفاصيل دقيقة ومنمنمات فسيفسائية عملت على جمعها بتأن وجلد تحسد عليه مدخل الفصل ووصف الطريق مبهر "شاخ الطريق..تلعثم بذاته...شعرتِ بأنفاسه تلهث كحمار محموم، وبترهل جلده المتلوّن ..." وبحنكة تربط الطريق بذكرى والدها "كم من الأسلاك الشائكة بعدت بينكما يومها؟ أما نسيتِ بعد طعم الدمع المالح الذي ذرفتِه؟
كنتِ صغيرة حينها فكيف لذاكرتكِ أن تختزل حقدا كهذا....لماذا كبر معكِ هذا الحقد؟". ومن هذا المدخل نلج معها في الحكاية المختصرة بكلمتين "كبرتِ وأنتِ تلعبين مع الصبية "عرب ويهود"، وتبدأ سامية في غزل روايتها عبر انعاش الذاكرة المزدحمة بتفاصيل كثيرة تتابعها بنهم، فهي ترسم الوطن بخطوط صغيرة تجمعها وتبنيها لتشكل منها لوحتها المؤلمة. لغة سامية وان تميزت بالرقة والحس العالي الا انها حملت معها عبر الذكريات مخزونا كبيرا من الالم ان لم نقل الحقد على ما آلت اليه الامور على الارض في الوطن..تلمس الاسلاك الشائكة هنا وتتعرض للاهانة على يد الحاجز الاسرائيلي وتعيش الحصار والاعتناق والسعي لامتلاك فسحة من المكان لاعادة تجميع الذات والتنفس من جديد..." لحدود "الإسرائيلية" تبدأ بعلم يحوي نجمة زرقاء سداسية، فلماذا تحوّطين صدرك بخريطة فلسطينية مثلثة القوام؟
لماذا يكذب عليكِ سائق الحافلة العجوز وهو يقول: دخلنا المنطقة الفلسطينية؟
أحقاً فعلنا؟"...
الفصل مليء بالاسئلة المدوية والتي لاتجيب سامية عنها مباشرة لكنها تقودك للاجابة بسلاسة عبر سطور ما دونته:"أين يكمن جرحك يا حنان؟ في سميح أم في نفسكِ أم في الغربة أم في الوحدة أم في الاحتلال؟".
تداعيات المكان والذكرى تتجول بين السطور كالاشباح تلمسها في كل مكان وتشم رائحتها في زوايا السطور"وما أتذكره... مشهدي هنا تتأرجح فيه مشاهد عمر، انقضى أكثره في محاولة الوصول إلى هنا.
ها أنا أقطع نهر الأردن، أسمع طقطقة الخشب تحت قدميّ، على كتفي الأيسر حقيبة صغيرة، أمشي باتجاه الغرب مشية عادية، مشية تبدو عادية، ورائي العالم، وأمامي عالمي.
آخر ما أتذكره من هذا الجسر أنني عبرته في طريقي من رام الله إلى عمّان قبل ثلاثين سنة..."
عندما جاء والدكِ يحمل الرواية ناداكِ، وقال: اقرأ.
ضحكتِ وقلتِ: لِم لا تؤنثني يا أبي؟
أجابكِ ببسمة: " اقرأ باسم ربك الذي خلق"
بسملتِ وقرأتِ.
كنتِ تقرئين له، وحين يغفو، تنسحبين لغرفتكِ وتأكلينها. يناديكِ فتعاودين صفحاتها معه حتى انتهت. وقتها سألكِ: هل انتهت حقا؟ وصمتِّ.
حكى يومها أن العمر سينتهي والحكاية تنتظر التتمة.
أن البلاد تذهب، والكذب يزيد."
ما اوجع المقطع الذي تحدث عن عودة الاب من سجنه، كانها تتحدث عن ميلاد شعب كامل خارج من جوف الوحش "حين عاد من السجن عرفتِ كيف يبدو الحزن أكبر من محض أسئلة تطير من العيون.
ما الذي كان لديك لتقولينه للعائد الغريب هذا؟ شعرتِ أنه كان غريبا، فازداد حقدك. سُجن عمر ثم جاء، فكيف له أن يصبح أباكِ فجأة؟
الأمر استعصى على عقلك الصغير.
قالت أمكِ: والدكِ مثل جدة ليلى التي أكلها الذئب، أبوكِ خرج من بطنه لا أكثر..
من بطن الذئب خرج!
بدون تعقيد بدت الفكرة مدهشةً لتقبُّل وجود الغريب على الأقل. لكنك بقيتِ تجفلين منه. وتتخفّين من نظراته تجاهك".
للاسف لم استطع اكمال قراءة الرواية، رغم تلهفي الكبير لرؤية مسارات التداعيات والذكريات كما خطتها سامية بموهبة تبشر بتثبيت اقدام راوية حقيقية تمتلك من الموهبة والمخزون اللغوي والتقنية ما يجعلها ان اكملت من الروائيين/ئيات البارزات في سماء الثقافة والابداع..." عندما قرأتِ السطر الأخير ظننت أن الأدب يحسن الخيال، لا أكثر!
لكنك اليوم أدركتِ أي وجع هذا الذي أخذنا على حفر الجراح دون دموع. وما معنى أن نقترب ولا نفعل ذلك حقيقة..!
ما معنى أن نكون قرب سويعات ونصبح قرب أيام فجأة!
ما معنى أن تنام الحكايات والأحلام هناك، عند الضفة الأخرى دون أن تجرؤ على القفز!
هم كـ سميح، وخالتكِ، وأعمامك، وأبناؤهم. كلما سئلوا عن أنفسهم أشاروا للتاريخ وللجسر: نحن من أرض الـ 67، هناك، بعد جسر الأردن تماماً!
أنت أيضاً، كالبرغوثي، لم تقولي للجسر شكراً..!
ولن تقولي"..

طارق العربي :متعة النص الجميل
في نصوص طارق العربي لا تجد نفسك امام تجربة شاعر شاب، بل تواجه نصاً مكتمل البناء، تمت صياغته بحرفية عالية وكأن صاحبه يكتب القصيدة كما يتنفس الهواء، في نصوص طارق تأخذك اللغة والصورة المتعددة المستويات في كتاباتها، فتراه احيانا يلجأ للمباشرة مستخدما لغة بسيطة تعبر عن اللحظة والحياة وتعيش معه انفعالاته الصادقة في اكتشاف الحب والحياة، يكتب للحبيبة الحلم كما يكتب للاطفال والوطن بشفافية كبيرة، وفي نصوص اخرى يدخلك طارق متاهة المثيولوجيا والتاريخ ويغرف منها بحرفية واضحة..
في نص "هرمجدون" تجد نفسك امام النموذج الثاني في كتابة النص...تدفق صور متتابعة مربوطة باتقان...لا تقدر ان تفككها او تقطع اندماجك معها الى النهاية، هنا تدخل تفاصيل الوطن من زاوية الراوي ويبلور لنا خطوطا دقيقة حساسة تعبر عن الم الوطن في كل دقيقة..هنا نشهد لحظات ميلاد وخوف وشهقات جزع والم
"لاشيء يقلق ليلي / ولدُت أحملُ العَدَم
وأَذهبُ مع العَدمِ / ولدت هكذا
من دمع سُنبلتَينِ ذَابِلتينِ خَائَفِتَينِ على حَدِ
السيفِ"...
"وكنتُ أَخَافُ من الجُنود عَلى أبِي
ألا يَعودَ آخِر الليَل حَامِلاً مشمش الأرض / أو أن أموت فجأةً
أن أنام ولا أصحو مثلاً، أو بخطأ الرصاص وأنا أعبر الشارع
إلى الرصيف الُمقَابل / أو أمرض باللوكيميا وأموت /"...
ومن هذه المحاكاة الجميلة والمؤلمة لواقع يومي معاش يبلور طارق كلمات بليغة لكنها مصاغة بجمالية عالية ما يريد ايصاله لنا عن ان كتابته للقصيدة هي الرابط الوحيد ما بينه وبين الحياة "لا فرق بين أن أموت وأحيا ... إلا هَذهِ القَصِيدة"...ولا ينسى ان يدخلنا في عدل طويل وممتع من يكتب من القصيدة تكتب الشاعر ام الشاعر يكتب القصيدة:
هرمجدون/ مَن يَكتُب مَن... أتَكتبنِي القَصِيدة أم الحَرب
تكتبني وتَكتُبهَا وتكتب لنا القَدَر/ القدرُ هو أن
التقي بِسيدةٍ جَميلة تحت المَطر
أو بِشاعِرة تُضيفُ للقَصيِدة فَرحَاً أخضر
وعُشبَا أَخضَر.. أخضر أخضر
من يكتب من / سَرقنَا كُل مَا تَبقَى في الجرار
من عِنبٍ .. سَرقنَا كُلَّ مَا تَبقَى فِي القَوامِيس
مِن لُغةٍ .. وذَهبنا إلى المَعركة بحَثَاً عَن الذهب
بحثا عن مجدٍ كتبه التاريخ للمنتصر!"...وعبر صور متلاحقة يدخل مجدداً في اتون فلسفة شعرية حول ماهية القصيدة:
"تكتبني وتَكتُبهَا وتكتب لنا القَدَر/ القدرُ هو أن
التقي بِسيدةٍ جَميلة تحت المَطر
أو بِشاعِرة تُضيفُ للقَصيِدة فَرحَاً أخضر
وعُشبَا أَخضَر.. أخضر أخضر
من يكتب من / سَرقنَا كُل مَا تَبقَى في الجرار
من عِنبٍ .. سَرقنَا كُلَّ مَا تَبقَى فِي القَوامِيس
مِن لُغةٍ .. وذَهبنا إلى المَعركة بحثاً عَن الذهب
بحثا عن مجدٍ كتبه التاريخ للمنتصر!
خاتمة القصيدة متعبة وموغلة في الحلم ولكنها تحمل الما لا يطاق:
"هرمجدون /لا شأن لِي فِي الحَربِ /
ولا شأَنَ لك بِي ..أُريد أَن اربح مَزيداً مِن الوقَتِ
لاحيا / لأرى طفلي يَذهب إِلى صَفهِ الأول فَقط صَفهُ الأول
حُراً ويُغنِي للعلمِ /أن أَترك وردةً عَلى الرَصيف من أَثرِي
ليَمُر المُشاة آَمنِين مِن بَعدِي / أريدُ أن اربح مزيدا من الوقت لأحب
دُون تخطِيطٍ مُسبق ... ودون تهيؤ العاطفة لِشيء ما يُسمَى الحُب".
نصوص طارق الاخرى "زنبق كافر...""المقهى نهار الجمعة"..اتت كنصوص قصيرة تحمل صورا جميلة شاعرية تحلق معها بعيدا رغم محاولته للجوء للترميز احيانا والمباشرة في احيان اخرى
"الزنبقة أخت الياسمينة
التيِ اقتلعَها الجُنود
من بيتنا..!"...او "
الحبُّ الأول
يُشبه حَليب أُمي
لا أذكر مَذاقَهُ
لكني أَحمِلهُ
بِكُلِّي"...
"في المَقَهى
نَهار الجُمعة
للمكان عَتمةُ القبور
وضوضاء اللون الأحَمر
قبيل مبُاريَات الدَوري
الاسبانِي...!"...نصوص طارق هي نصوص الغواية الشعرية المكتملة جمالا والتي تدفعك للوقوع في شرك عشق احرفه.


كاتب فلسطيني يقيم في ألمانيا
تاريخ نشر المقال 27 تموز 2010
· · المشاركة
  • Najm Samman‏ و Ishraf Shiraz‏ و Monia Boulila‏ و 17‏ آخرين‏ يعجبهم هذا.
    • Wafaa Kabha ما أجملك! :)
      27 يوليو، الساعة 06:17 مساءً‏ · ·
    • Maan Samara العزيز سامر... شكرا جدا لك... كان واجبا علي أن أنشر هذا الجزء الثاني من مقالتك,,,, ولكن أعتذر أنني تكاسلت لظروف قاسية واجهتها اليوم
      27 يوليو، الساعة 06:19 مساءً‏ · ·
    • Tayseer Mashareqa متابعات وتغطية مهمة لإبداع الشباب ،، من أجل المستقبل،،شكراً
      27 يوليو، الساعة 06:22 مساءً‏ · ·
    • Naim Al Khatib الصديق عماد، هذا جهد مشكور ومهم لاستدامة الأثر
      27 يوليو، الساعة 06:24 مساءً‏ · ·
    • Kawther Abu Hani تحياتي لك و لشعرائي المجانين :)
      27 يوليو، الساعة 06:25 مساءً‏ · ·
    • Tayseer Mashareqa هل بامكانك الاطلاع على رواية طاواس ، تجدها عبر النت، بطلها شيطان ، والرواية تبحث في آليات الإنتصار عليه
      27 يوليو، الساعة 06:28 مساءً‏ · ·
    • Samia Ayyash فرحة ما تعبر الأفق، فشكرا
      27 يوليو، الساعة 07:42 مساءً‏ · ·
    • محمد راضي عملك متقن وغير متحيز لأي حد لا يسار ولا يمين، يعني اصلي اصلي اصلي
      27 يوليو، الساعة 09:10 مساءً‏ · · شخص واحدجاري التحميل... ·
    • طارق العربي شكرا سامر
      27 يوليو، الساعة 11:14 مساءً‏ · ·
    • Touria Uakkas
      عزيزي سامر، لقد أحسنت في التوقف وقتا عن مطاردة من غير منزله ، و قت كتابة هذا المقال عن بسطة كتابة و يجب أن أقول لك أنني تتبعت أيضا حلقاتك عن أهل اليسار و تعليقات أصدقائك و استفادتي كانت كبيرة و لا بد أن أذكر هنا أن الكتابة مهما تقوقعت على ن...فسها و نادت بالاكتفاء بذاتها ليست الا مسايرة و لو غير واعية للمحيط الذي أنتجها و من هنا فما قلته عن السياسة و المجتمع الفلسطينيين ليس سوى بسطة لبسطة الكتابة هذه و ما نصوص رائد و شادي و طارق الشعرية أو نصوص وفاء
      و أسماء و سامية السردية سوى
      الوجه الآخر و العميق و الصادق لخيبات
      السياسة و انكسار الأحلام الكبيرة على صخور هجرتها الثقة في الخطابات التي ما عادت تصلح
      بسطة الكتابة و التي تقدم بشكل عفوي هؤلاء المبدعين الشباب، نجحت دون شك لغياب أي خطاب مباشر فيها أو خارج عنها غير ابداعات أصحابها و هذا قد يبسط أمورا كثيرة و يفتح بسطات أخرى لا يهجرها أصحابها
      و شكرا لك و للصديق معن
      مودتي لكما و للجميع
      مشاهدة المزيد
      28 يوليو، الساعة 12:49 صباحاً‏ · · شخص واحدعصام السعدي Isam Alsadi‏ معجب بهذا. ·
    • Rasem Almadhoon عزيزي سامر
      أحييك على هذه الدراسة التي أقترحها شاملة لتكون كتابا0
      ما رأيك؟
      28 يوليو، الساعة 01:02 صباحاً‏ · ·
    • عصام السعدي Isam Alsadi
      شكرا لك أخي سامر أنت صاحب مبادرات شابة ونبيلة أيها الكهل الجميل ...مثابرة هؤلاء الشباب تحتاج إلى إلقاء ضوء عليها ينيرها ولا يبهر عيونها...والذي سيكمل منهم سيضيف للمدونة الفلسطينة / العربية وسيجعلنا قادرين على القول : مازلنا شعبا قابلا للحيا...ة والحلم...والولادة.
      هي مناسبة أخرى لنشكر معن ...ومناسبة أيضا لأقول لإخوتي الشباب/ الشابات كنا ننتظركم طوال تسعة عشر ثلاثاء وما زلنا ننتظر...فلا تبتعدوا كثيرا ...خذونا إلى مساحة من الدهشة الطازجة ...محبتي لكم جميعا
      مشاهدة المزيد
      28 يوليو، الساعة 08:48 صباحاً‏ · ·
    • Souma Husien
      في زمن ترحل فيه الثقافه وتعبىء العقول بترهات تنشرها وسائل جاهله مدفوعه .... وتباع ا الاحرف بأثمان بخسه ... تتحدى اقلام شباب وشابات فلسطين وتكتب بجرأه وبطرق مختلفه ومغايره عابرة فوق عادات باليه (فاء) ومتحديه ظروفا قهريه ... نتمنى للب...سطه ان تنجب بسطات لتكوِن سوقا واعداً ومشرفاً
      ونحن نحب الحياة ان استطعنا اليها سبيلا
      شكرا سامر على هذه الدراسه القيمه المحايده والتعريف عن كل كاتب وكاتبه.
      .... وطبعا شكر للاستاذ معن ايضا
      مشاهدة المزيد
      28