صبرا وشاتيلا/3/...عزرائيل يختبئ بين الانقاض
من سامر عبدالله في 16 سبتمبر، 2010، الساعة 12:40 مساءً
اشهر عدة مرت والمخيم شبه مدمر،كثير من الاحياء دمرتها حرب اسراييل علي بيروت وحصاره والقصف الهمجي المحموم الذي تعرض له المخيم.قبل المجزرة كانت العائلات الفلسطينية من ساكني المخيم قد بدأت بالعودة له،رغم التحذيرات التي كانت تصل للجميع بتأخير العودة وعدم الاطمئنان لوعود جيش الغزو الذي باتت دورياته تجول شوارع بيروت وتقيم الحواجز في كل مكان.كان هنالك موقفين احدهما عبرت عنه الاونروا ومعظم الفصائل التي استكانت للوعود الاميركية/الاسرائيلية بعدم التعرض للمدنيين ،والاخر عبرت عنه العديد من الشخصيات المستقلة والكادر الوسيط بعدم الوثوق بهذه التعهدات.تميزت معظم القيادات التي بقيت في بيروت بانها كانت قصيرة النظر وكانت تدعو وتحض لاجئي المخيم الذين توزعوا في شارع الحمرا والروشة وبير حسن علي العودة سريعا والبدء في اعمار ما تهدم وتقديم الكشوفات للاونروا بما يحتاجه المخيم.مازلت اذكر ذلك النقاش المحتدم مع قيادي تصدت له رفيقة وقالت له:لقد بتنا عزل،لا يوجد شباب في المخيم،الكل اما غادر مع السفن الي المجهول او اختفى حتى لا يعتقل..اتريدنا نحن النسوة والشيوخ والاطفال ان نعود الي بيوتنا المدمرة دون حماية جدية...هل تضمن لنا أن لا تعيث بنا يد التنكيل من جديد،فيعتقلون او يقتلون من تبقى منا?انتفخ ذلك القائد وقال:لكننا نملك وثيقة فيليب حبيب التي وقعت عليها الولايات المتحدة والتي بموجبها غادر المقاتلون بيروت والتي تنص علي حماية سكان المخيمات وتعهدت تل ابيب بالالتزام بها...لم تصدقه هذه الرفيقة وضحكت ضحكة صفراوية..قائلة:ما بيجرب المجرب الا الي عقله مخرب...واعلنت انها وعائلتها لن تعود للمخيم الا بعد خروج الاسرائيليون من بيروت،عندئذ يمكنها الاطمئنان قليلا.عاد الكثيرون بموجب تطمينات القيادة الفلسطينية والحكومة اللبنانية،وحتى الاكثر تشاؤما منا كان يتوقع ان تتم عمليات تصفية فردية واعتقالات واسعة،لكن لم يظن المعظم ان اية مجازر سترتكب...لحست اسرائيل كعادتها وعودها وتعهداتها والاتفاقيات التي وقعتها حول خروج المقاومة من بيروت،ولانها تظن نفسها اكثر ذكاء من الجميع لم تلطخ ايديها مباشرة بدم نساء وشيوخ واطفال صبرا وشاتيلا..لكنها احضرت الة القتل الفاشية وسمحت لعزرائيل ان يتجول معهم بينما قبع الجنود الاسرائيليون علي مداخل المخيم للمراقبة والاستلذاذ بسماع انات الضحايا وصرخات المغتصبات وعويل الاطفال الذين نجوا من القتل صدفة...اسابيع بعيد المجزرة...ما تبق من سكان المخيم يهجرونه مؤقتا...حتى من عاد بعد المجزرة وانسحاب الاسرائيلين عاد للترحم علي الشهداء والانين والبكاء ثم البحث عن مكان امن..حين عدت بعد ان التقطت انفاسي بعد صدمة اليوم الاول لاكتشاف المذبحة ذهبت الي منزل جدي الواقع في مدخل مخيم شاتيلا ...دخلت الزاروب الطويل من الخلف،من ناحية المدينة الرياضية،كنت برفقة ابن عم لي سيق يومها الي المدينة الرياضية للذبح،كان عمره حينذاك 14 عاما،ما انقذه في وقتها ان القتلى كانوا بالعشرات وان ضابطا اسرائيليا علي مخرج المخيم من الخلف كان يختار بضعة افراد ياخذهم للتحقيق معهم،للغرابة ان من ياخذهم للتحقيق كانوا من الناجين القلائل من المجزرة.ابن عمي هذا كنت قد تركته قبل اسبوع والحياة تقفز من خدوده،وحينما قابلته بعد المجزرة كان نصف شعره قد اصبح ابيضا وكأنه كهل في السبعين،عيناه زائغتان...يدخن بشراهة،الالم والرعب ارتسما علي وجهه الي الابد.توقف علي التلة الخلفية للمخيم والفاصلة بينه وبين المدينة الرياضية وقال:كنا طابور مكون من العشرات الذين امسكوا بنا في صبرا وجرونا الي هنا،لم نعرف ماالذي يدور في زواريب المخيم ولا ماذا يحدث في داخل المدينة الرياضية،كنا نسمع طلقات نار في داخل المخيم وصرخات استغاثة اما في المدينة الرياضية فقد كنا نسمع كل بضعة دقائق اصوات صليات رشاشة.كان من حسن حظي ان الجندي الاسرائيلي اشار لي بالخروج من الطابور والوقوف جانبا...عشر دقائق مرت سمعنا فيها صوت صليات رشاش اتية من المدينة الرياضية،وصوت بلدوزر...ثم مر بنا العناصر الكتائبية اتين من المدينة الرياضية وهم يتبادلون الضحكات...اما من كان معهم فلم نسمع لهم صوتا بعد ذلك الي يومنا هذا ...بكي بحرقة وتوقف عن المسير معتذرا:لم يعد بامكاني دخول المخيم ففي كل زاوية منه يقفز شيخ او طفل وقد قتل بدم بارد ومثلت بجثته...او اسمع صرخات طفلة او فتاة تغتصب ولا استطيع فعل اي شيئ الا الركض والاختباء...لن استطيع المضي معك ابعد...ولا اعرف متى تستطيع قدماي دخول شاتيلا من جديد .مضيت وحدي اقدم قدما واؤخر اخرى..الي ان وصلت باب المنزل..تذكرت الصورة الاولي بعد المجرة وسقطت ارضا لا اقوى علي طرق الباب او فتحه....