Seiten

Sonntag, 12. September 2010

حالة انتحار/قصة قصيرة

حالة انتحار/قصة قصيرة

من سامر عبدالله‏ في 06 يوليو، 2010‏، الساعة 07:12 مساءً‏‏
حالة انتحار/قصة قصيرة


مللت من كل ما حولي وقررت أن أنتحر.خمسة أعوام من الفاقة والفقر تكفيني.خمسون عاما من الشقاء عقوبة الهية كافية،وحدة قاتلة تمرمر روحي أصابتني بالسأم من كل شيء.لهذا قررت الانتحار وأنا مدرك أنني سأموت كحشرة تافهة لن ينتبه الى اختفائها أحد في هذا الكون.من المؤكد أن جثتي ستتعفن وعندئذ سينتبه أحد الى وجودي وقد لا ينتبهون الا بعد مرور سنوات عدة.لم يزرني أحد منذ أربع سنوات،حتى أولادي طفشوا من جحري هذا ولم أعد أعرف عنهم شيئا،ومطلقتي منذ أن "خبطت "الباب وهي مهرولة منذ ستة سنوات باتت ذكرى من العالم الاخر.أما جيراني فهم بالكاد يستطيعون تمييزي واذا التقيت أحدهم صدفة في المصعد أو الدرج يدير رأسه الى الجهة الأخرى ولا يرد ألسلام.لهذا سأنتحر ما دمت قد بت عددا زائدا في هذا الكون.
جلست أفكر في طريقة الانتحار،وهل أنتحر بصمت أم بضوضاء أجبر الاخرين على الانتباه لوجودي ولو لمرة واحدة أخيرة.حملت كرسيا خشبيا مهترءا اكل السوس خشبه حتى مل منه فتركه عله يسقط من ذاته.حملته وخرجت الى الشرفة وجلست أفكر في انتحاري.بيتي في الطابق الثاني والشارع أسفلي مكتظ بالمارة،فالجميع يستعد لعيد الهالوين القادم بعد عشرة أيام.نظرت الى البيوت في الجهة الاخرى من الشارع ،كانت امرأة شابة منهمكة في اخراج يقطينة ضخمة بداخلها ضوء أحمر استعدادا للاحتفال،أسفلها كان بعض الصبية قد ارتدوا ملابسا تنكرية وخرجوا الى الشرفة لاخافة المارة.لمحت رجلا عجوز يزين هيكلا عظميا على سلم وشابا يحمل أضواءا عدة لتعليقها على طول نوافذ منزله.أثار انتباهي عاشقين في العمارة المقابلة لي وقفا يتبادلان القبل ويضحكان بشدة على شيئا ما يحملانه،حين دققت النظر كانا يلهوان بجمجمة انسان ويحاولان تعليقها على عصاة خشبية.وفوقهما كانت شرفة المرأة الحيزبون قد امتلأت بالافاعي والخفافيش.أما في الأسفل فقد كان المخبز قد أخرج لوحا ضخما علق عليه خبزا وكعكا بأشكال مختلفة،منها ما يشبه هيكلا عظميا أو يقطينة أو شبحا أو وطواطا....أما بائع اللحم فلم ينس أن يعلق على باب محله صورا لدراكولا وفرانكشتين......ويكملها برؤوس أبقار وأغنام وخنازير من اللعب.
تعبت من النظر لهذا كله،ووجدته يحرف نظري عن همي الأساسي:الانتحار.أرجعت الكرسي للوراء قليلا ثم نهضت لاحضار كوبا من القهوة لعله يشحذ ذهني ويدلني على الطريقة المثلى للخلاص.في المطبخ تفحصت ما أملك من أدوات تسهل موتي،اكتشفت ان لدي الكثير من وسائل الموت.عدت الى الشرفة وبدأت التفكير.هل أستخدم السم؟هو وسيلة سهلة وأملك سما فعالا كنت قد اشتريته لقتل الجراذين التي تسللت الى المنزل قبل شهور عديدة.أعجبتني الفكرة ولكن المشكلة أن السم بطيء وسأصاب بمغص في البطن وقد أتقيء وهذا الأمر يزعجني أكثر من الموت بحد ذاته ،وقد أصاب بأوجاع كثيرة ،ومن المحتمل أن لا أموت واصاب بمشاكل عدة ترافقني بقية حياتي الباقية. وصدقا الموت بسم الفئران خسة وجبن لا بطولة فيه ولا نبل ،فالميت والفأر واحد ،وسيقولون عند اكتشاف جثتي:" ما أتفهه ألم يجد ميتة تليق بالرجال كي ينهي حياته بها؟".سأصرف النظر عن هذه الميتة التافهة وأفكر في شيء أكثر دراماتيكية وحيوية.
نعم سأنتحر بقطع أوردة معصمي ،فهذه الطريقة أكثر اثارة،وتليق بالعشاق وأنا كنت في يوم من الأيام،لا أدرى متى ،عاشقا ولهانا.ربما هكذا تشفق علي تلك الحيزبون وتظنني كنت عاشقا لها وانتحرت من أجل عينيها المنتفختين من كثر النوم والتي لم تعودا الا كحفرتين كئيبتين يعم السواد حولهما.لكني أكره رؤية الدم ومنذ كنت صغيرا كنت أصاب بالدوار والاغماء ما أن أرى جرحا صغيرا،فكيف بدم متدفق من معصمي.وقد الوث الدنيا بذلك ومن المحتمل أن لا أموت وما أن أرى الدم حتى أبدأ بالصراخ والولولة كالنساء الثكلى وينتبه الجيران عندئذ ويتم انقاذي، وهكذا لا أستفيد شيئا سوى الفضيحة والجرسة،وعاهة تترك أثرا على معصمي مدى الحياة.
لماذا لا أنتحر مثل الساموراي؟انها طريقة أكثر اثارة،وستربط صورتي عند مشيعي جثتي بالنبلاء اليابانيين.كل ما أحتاجه سيفا وعزيمة للتنفيذ.نعم هكذا ينتحر الأبطال وأنا كنت بطلا،ألم أشارك في حرب 82 وصمدت أثناء غزو لبنان وحضرت مجزرة صبرا وشاتيلا،كما صمدت مع المقاومة سنوات طويلة حتى مللت الصمود؟.سأنتحر كالساموراي اذا.لكن هنالك مشكلة انني أخاف أن أغرز سيفا في أمعائي وقد لا أموت وأتعرض لاصابات بليغة تؤثر فيما بعد على تناولي الطعام والدخول الى الحمام وهذا ان حدث كارثة كبرى،من الممكن أن أتحمل أي شيء الا حرماني من الأكل الطيب ومتعة الدخول الى المرحاض.لا سأبحث عن طريقةاخرى تفضي بي الى الموت السريع والمضمون.
لم أنتبه الى أن الليل قد أرخى ستائره على الكون،وأن الشارع قد خلا من المارة.نهضت من فوق الكرسي وأطللت الى الأسفل لم يكن في الشارع الا بضعة سكارى ومومسة تقف على زاوية الطريق تنتظر زبونا عابرا عله يقع في مصيدتها،عندئذ تنبهت الى وسيلة للانتحار تلفت انتباه الناس جميعا،القفز من الشرفة الى الشارع.من المؤكد أنني سأحظى بانتباه تلك الجارة الشقراء التي تستعرض مفاتنها كل يوم على الشرفة اثناء جلوسها بالمايوه وأخذ حماما للشمس،والتي كانت تطنشني كغيري وتظن علينا حتى بالابتسام. من المؤكد انها حينما تراني أقفز في الهواء وأنا شاخص بنظراتي صوبها سترسل لي قبلة الموت الأخيرة.سأختار وقتا مناسبا تكون فيه قد تمددت على الشرفة بانتظار أن تلوح بشرتها الشمس برفق ودلال.وقد أستطيع قبل أن أقفز أن ألقي خطبة عصماء أهجو فيها كل أصدقائي السابقين،فرسان الجملة الثورية،الذين ترهلوا حتى أصبح الواحد منهم بلا رقبة،وحتى باتوا نجوما في التلفزيونات المعارضة والمؤيدة على السواء.سأقول لهم كلمة وددت قولها منذ عقود عدة...لا سأكتفي باخراج لساني لهم هازءا من هذا الكون الأحمق.
لكن هل أضمن الموت كذلك أم أنني سأتهشم وأصاب بكسر في العمود الفقري وأمكث كسيحا ما تبقى لي من عمري؟واذا مت كيف سيكون منظر جثتي؟مهشمة ومقززة للاخرين؟أخاف أن يشمئزوا منها ويبصقون عليها لأنها أرعبتهم وكدرت مزاجهم.كما أن الانتحار بهذه الطريقة فيه فاشية واهانة لمشاعر الاخرين، خاصة تلك الفتيات الجميلات اللواتي يملأن الشارع ليلا نهارا ويبحثون عن عاشق يتوله في حبهن،لن أنهي حياتي هكذا.لا لن أقفز اذا.
لم يبق أمامي الا الانتحار بالمسدس.فأنا أملك مسدسا قديما من بقايا مرحلة النضال تلك ،أخبئه في السقيفة سأحضره وأطلق النار على صدغي ،رصاصة واحدة في هذا المكان كافية لانهاء الامر.وصوت اطلاق النار سيلفت الانتباه مؤكدا.لكن ماذا سيحدث ان ارتجفت يدي خوفا وخرجت الرصاصة لتصيب الحائط ؟سيسمع الجيران الصوت ويحضرون الأمن والمخابرات،وهؤلاء سيجرونني من قفاي الى التحقيق ،و ستنهال علي الأسئلة:من أين أحضرت السلاح؟الى أي تنظيم متطرف تنتمي؟من هم شركاؤك في التنظيم؟ما هي مخططاتكم التخريبية.....ومن المؤكد أنهم سيجعلونني أتمنى الموت ولا أناله......
لا أدري كم هي الساعة الان...بت أشعر أن أطرافي تجمدت من البرد ...أو من الرعب من المخابرات...لا أدري،أشعر بنخزة حادة في صدري،لم أعد أقوى على الوقوف،سأمد يدي ملوحا للجارة لعلها تنتبه.....أخ....أخ....أخ

أشرقت الشمس،اليوم عيد الهالوين الشارع مزدان بالألعاب والناس مبتهجين ومتنكرين بألبسة مختلفة وصراخ ورعب يلف المكان.عربة التلفزيون تقترب ،فقد قرروا تصوير الحدث وبثه مباشرة على الهواء،وتم الاعلان عن جائزة كبرى لأفضل شرفة رعب في الشارع كله.بدء المارة يشيرون باتجاه شرفة محددة،كان عليها كرسي خسبي مهترئ،فوق الكرسي شيئا تشبه رجلا لكنه متخشب ،حتى بات جزءا من الكرسي الخشبي،ملامح الرجل قاسية كأنه قد شاهد عزرائيل أو أدركه،نظرات الفزع تطل من عينيه،شعره منكوش ولحيته طويلة،يده ممدودة للأمام تشير الى البشر المتجمعين كأنها تطلب النجدة....غراب كبير يقف على كتف الرجل وينقر في رأسه...منظر مرعب استحق برأي الجميع الفوز بجائزة الهالوين للرعب.الكاميرا تدور وتقترب من الرجل/الدمية/الجثة.
· · المشاركة
  • Toufic Shaaban‏ , Reem Nateel‏ و 2‏ آخرون‏ معجبون بهذا
    • Najjouta Charni يسعدني دوما أن أقرأ لك و لو عن عجل بعض الجمل التي تمر أمامي و أنا أتجول بين الصفحات
      06 يوليو، الساعة 07:31 مساءً‏ · ·
    • Reem Nateel اشكال الموت كثيرة ولكن هل يوجد شيء يستحق ان تنهي حياتك بهذا الشكل ... لا اعتقد
      حتى بالموت لن تنهي المشكلة ستجد مشاكل هناك تنتظرك ايضا صدقني
      06 يوليو، الساعة 10:08 مساءً‏ · ·
    • Toufic Shaaban تقنية سرد عالية فيها شيء من الياس خوري، بناء نموذجي للقصة القصيرة. اسعدتني شكراً لك
      18 يوليو، الساعة 11:35 مساءً‏ · ·

Keine Kommentare:

Kommentar veröffentlichen