Seiten

Sonntag, 12. September 2010

سكة الخلاص/قصة قصيرة

سكة الخلاص/قصة قصيرة

من سامر عبدالله‏ في 06 يوليو، 2010‏، الساعة 06:40 مساءً‏‏

الى الصديق عوض خليل الذي توفى مجهولا في بلاد غريبة


تأمل بقايا القهوة المتبقية في الفنجان،نقل عينيه خلسة الى الامرأة الجالسة أمامه،نظرته كانت مليئة بالغضب والحنق.كان يردد مابينه وبين نفسه"ما الذي فعلته بنفسي لأنتهي هذه النهاية البائسة،نهاية كلب أجرب،لا بد أن أنهي هذا الأمر اليوم،لا يمكن تأجيله للأبد،لم أعد أحتمل اكثر من هذا،اليوم عيد ميلادي ولا بد أن يشهد النهاية لهذه المهزلة التي استمرت أعواما طويلة."كان التوتر بينهما قد بلغ مداه،مع أن ما جرى بينهما كان يجري كل يوم منذ أن تزوجا،مشادات وخناقات واهانات يكيلها كل طرف للاخر،لكن والحق يقال أن الجرعة كانت اليوم كبيرة،وكالعادة فان أسباب اشتعال النيران هذه المرة لم تكن مهمة أو واضحة بل هي تافهة كما كان يراها.نظر اليها وبدأ يمعن التفكيرلعله يهتدي الى سكة الخلاص مما اعتبره كارثة يعيشها.
أما هي فقد كانت نظراتها اليه عدائية لدرجة مخيفة،لقد اعتبرته مسؤلا عن كل مأسي حياتها المتعاقبة،لا بل اعتبرت أن الله احاق بها عقابا كبيرا حينما تزوجته،لقد وأد كل احلامها،لا بل قتلها وهي في المهد،لا بل وهي أجنة تنمو وتكبر في روحها.لا بد لها أن تتخلص منه،لم تعد تطيقه،حتى سماع صوته أصبح يصيبها بالغثيان،أما منظره فقد أصبح مقززا وكريها لدرجة باتت معها لا تستطيع مجرد النظر اليه.ولكن كيف الخلاص منه وهو يرفض الطلاق حينما تطالبه به؟.كلما تذكرت أنه باعها أحلاما سرعان ما تبخرت في الهواء بعد أن ساءت احوالهما المالية،لا بل لقد قام وبكل وقاحة ببيعها جلد الدب وهو لم يصطده أصلا،كلما تذكرت هذا يغلي الدم في عروقها ويخطر بذهنها أن تتوجه الى المطبخ لاحظار ساطورا وتقوم بتقطيع هذا النكرة التافهة ثم توزعه على أكياس للقمامة وتلقي بكل كيس في زاوية من زوايا المدينة،لكنها سرعان ما تتراجع عن تنفيذ ذلك حتى لا تلوث يديها بهذه الدودة التي لا تستحق الحياة.
لكن هل كانت حياتهما معا دوما بهذا السواد المأساوي؟حين راجع شريط السنوات الماضية وجدها عجافا،تنقصها المودة والحنان و الحب المتبادل.كانت تزدريه وكأنها مجبرة على البقاء معه،رغم أنه حاول كثيرا أن يجعل الخضرة تتسلل لحياتهما القاحلة لكنها كانت تصده،وهكذا أصبح الغبار المتراكم حجرا ثم جدارا عاليا لم يعود بالامكان هدمه . هو لا ينكر طيبتها الواضحة،لكنه لم يعد قادرا على احتمال حدتها وسلاطة لسانها . لقد بات يراها دائمة الشكوى من عدم احتمال وحدتها وعجزها عن انجازها لأي شيء وخلاصها من اليومي الرتيب الذي تعيشه ، باتت مسكونة في غربتها بوسواس البعد ،كانت تفكر دوما في أعز اصدقائها وأقرب أقاربها وتحلم بلقائهم ، لكنها لم تكن قادرة على معرفة ان كانوا مازالوا يبادلونها مشاعرها . هو لا ينكر أنه وعدها بالكثير لكن الدنيا قد أوصدت أبوابها بوجهه،وكل الابواب التي طرقها كانت مقفلة باحكام ولا يوجد بها خرم ابرة يستطيع أن ينفذ منه.هي لم تقدر هذا وما برحت تعايره بالخمول وقلة الحيلة ،بل وصل الامربها للدعوة عليه بالانقراض كما انقرضت الديناصورات.لقد حاول جهده،وبعد أن كان في يوم من الايام يشغل مركزا مرموقا اضطر الى العمل في تسليك البواليع وتنظيف المراحيض في فنادق الخمسة نجوم . لم تقدر أنه كان يتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعه أثناء عمله هناك خوفا من أن يلمحه أحد من معارفه السابقين.كل هذا لم يشفع له حيث" نشرت" عرضه حينما لم يداوم في هذا العمل سوى اسبوع ثم طردوه،لم تخف شماتتها به واستقبلته بالقول:"رضينا بالبين والبين ما رضي فينا".ومنذ ذلك اليوم فلت لسانها من عقاله.هو من سمح لها بذلك حين أهان نفسه وامتهن اعمالا مهينه فهان في نظرها بعد أن هانت نفسه عليه.
لكنه الأن لم يعد يطيق سماع أية ملاحظة منها حتى لو كانت محقة فيها.لم تتذكر أن اليوم يصادف عيد ميلاده،ظنته كسائر الايام الرتيبة المملة فقررت أن تبدأ العراك على الريق لعله يجد حلا لكل مشاكلهما.ما أن بدأت وخاصة حينما قالت أنها" ستبصق على قبره اذا استطاعت الى ذلك سبيلا" حتى انفلت من عقاله في هذه المرة،أرغد وزبد وعلا صراخه،ثم نهض فجأة وفتح باب المنزل خارجا لا يلوي على شيء. ما أن هبط السلالم انتبه الى أنه قد نسي محفظة نقوده ومفاتيح المنزل،لم يرد العودة ،لقد أخذ قراره:"اليوم ستكون ولادته الجديدة،لن يعود الى هذا المنزل اللعين حتى لوانطبقت السماء على الأرض".
ما أن غادر المنزل حتى هدأت تماما،كأن بردا وسلاما حلا عليها.خاطبت نفسها قائلة:"لن يذهب بعيدا،سيعود بعد قليل،فهو مقطوع من
شجرة في هذه المدينة الغريبة،لا يعرف أحدا وليس من مصلحة أحد أن يتعرف على مثل هذه النكرات.لقد تعودت ما أن يغيب رأسه حتى يطل ذنبه".لم تنتبه الى أنه غادر دون محفظة نقوده وهويته.لكنها انتبهت الأن أن اليوم يصادف عيد ميلاده.
انتصف النهار،ثم غابت الشمس وأدهم الليل ولم يرجع.قلقت بعض الشيء لكن قلقها لم يدفعها للبحث عنه.اسبوع كامل انصرم ولم يظهر له أثر.خلال هذه الايام مرت حياتها رتيبة مملة،اكتشفت أنها تفتقده،ورغم كل ما كان يدور بينهما فهي تحبه والا لما صبرت عليه كل هذه الأعوام الطويلة.لقد اكتشفت أمرا خطيرا أنهما باتا يتشابهان في امور عدة،أهو بفعل المعاشرة الطويلة،أم.....
أما هو فقد نزل السلالم دون تركيز،لا يعرف الى أين يذهب،الغضب أعمى بصيرته،كل ما كان يعرفه أن موعد ميلاده الجديد قد أزف،وأن الله سيهديه سريعا الى سكة الخلاص من كافة مشاكله ومصائبه. في خضم تفكيره لم ينتبه الى أنه قطع الشارع والاشارة حمراء،وانه بات في منتصف الطريق وفوق سكة الحديد وأمام عربة "الترمواي"القادمة بسرعة كبيرة.
لم يستطع سائق "الترمواي" أن يتفاداه،فلقد ظهر اللعين أمامه فجأة ودون سابق انذار،لم تسعفه الكوابح في منع الاصطدام به،توقفت العربة بعد أن مرت العجلات الحديدية فوق الرجل المسكين ومزقته اربا،خلال ثوان كان قد فارق الحياة.حين قدمت عربة الاسعاف لم تستطع أن تقدم أي مساعدة سوى نقل الجثة الى ثلاجة الموتى في المشفى بانتظار تقرير الشرطة لمعرفة مصير الجثة البائسة.
احتارت الشرطة ،القتيل لا يحمل أية اوراق ثبوتية تدل على شخصيته. بعد تصوير الجثة وأخذ بصماتها تم التحفظ على كل ما كان معه:مفاتيح وخاتم زواج ذهبي انتزع من اصبعه بشق الانفس وورقة صعيرة كتب عليها باللغة العربية "عيد ميلادي، ميلاد جديد لحياتي" وانتهت الاجراءات بالرجوع الى الدائرة القانونية في مديرية الشرطة للبت في مصير الجثة . الرد كان موجزا: اما التبرع بالجثة لمشرحة كلية الطب في الجامعة ومراكز زراعة الأعضاء،وهذا غير ممكن لأن المتوفي لم يوقع على وثيقة التبرع.،كما لا يمكن الاحتفاظ بها في الثلاجة لفترة أطول بسبب التكاليف الباهضة لهذا الأمر ، أما الدفن فهو يحتاج الى شراء قبر ودفع اموال طائلة ثمنا للتابوت والقبر ، والدولة غير ملزمة بذلك بما أن المتوفي مجهول الهوية ولم يتعرف عليه أحد . لهذا لا مفر من حرق الجثة والاحتفاظ بالرماد وحاجياته التي وجدت معه في صندوق صغير الى أن يطالب بها أحد" .
تم حرق الجثة المجهولة ودون على الصندوق تاريخ ومكان الحادث والموجودات التي وجدت معه . وفي الوقت ذاته نشرت الشرطة اعلانا صغيرا ،في الصحيفة التي توزع مجانا يوم الاربعاء،عن الحادث مع صورة للضحية طالبة ممن يتعرف عليه مراجعتها.
اسبوع كامل لم يرجع فيه الى المنزل،ارتبكت فهي لا تعرف أحدا في هذه المدينة اللعينة،لقد تساوت معه في غربتها التي عابته عليها،وما زاد من ارتباكها أن أولادها ما زالوا أطفالا لا يستطيعون مد يد المساعدة لها . قررت اللجوء للشرطة لمعرفة مصير زوجها المختفي . لقد باتت تشعر أنه قد حدث له مكروها ما ، فهو من النوع البيتوتي،لا نزوات أو مغامرات له،واختفائه الطويل لا بد أن يكون رغم ارادته . في مركز الشرطة القريب من منزلهم حرروا لها بلاغا عن اختفاء زوجها تضمن: اسمه،عمره،أوصافه،العلامات الفارقة،ملابسه التي كان يرتديها ساعة اختفائه،مكان السكن...وأخيرا صورة له.
ما أن أنهى الشرطي المحضر ونظر الى الصورة حتى عرف الرجل،فهو من حقق في الحادث وأرسل التوصية بحرق الجثة . أخبرها بمصير زوجها المحزن وأعطاها عنوان دائرة حفظ رماد الجثث المحروقة . العنوان يقع في أطراف المدينة ، في شارع فرعي طويل وموحش . ما أن وصلت الى المبنى أصابتها القشعريرة ، المبنى رمادي داكن اللون يقبض القلب . سلمت موظف الاستعلامات رسالة دائرة الشرطة المتضمنة قرار تسليمها رماد زوجها . قادها الموظف الى المخزن في القبو مما زاد من انقباض قلبها .لم يكن هنالك الا رفوفا على مد البصر صفت عليها مئات الصناديق يحوي كلا منها رمادا لجثة ما . أحضر لها الموظف صندوقا أسود ومغلفا حوى كل ما كان مع زوجها حين حصول الحادث . تعرفت على خاتمه وصورته،وتأكدت من تاريخ الحادث وساعته ومكان حدوثه،فهو قريب من منزلهم وفي ذات اليوم والساعة التي غادر بها المنزل.استلمت صندوق رفاته غير مصدقة ما جرى،بكت بحرقة لم تتوقعها حينما قرأت ما دونه على تلك الورقة الصغيرة،تحسست الصندوق بحنو وحضنته ،لقد استجاب الله لدعواتها و نالت حريتها أخيرا لكنها باتت حائرة ماذا تفعل الأن ؟ هل تحمل رماده معها أينما رحلت وبهذا لا يكون لخلاصها أي معنى أم تنثر رماده في ارجاء الكون ليصبح أثرا ممحيا؟. أما هو فكما لم يختار مولده لم يستطع اختيار مماته ورغم خلاصه الا انه كتب عليه أن لا يضمه أي قبر منذ اليوم الى يوم الدين .

Keine Kommentare:

Kommentar veröffentlichen