حصان ابيض/قصة قصيرة
من سامر عبدالله في 06 يوليو، 2010، الساعة 08:10 مساءً
حصان ابيض/قصة قصيرة
كعادتها جلست امام شاشة الكمبيوتر،ابتسمت قبل اضاءة المفاتيح،حلمت بالفارس القادم من خلال المونيتور علي حصان ابيض لحملها اخيرا الي قفص الزوجية.كل يوم كانت تحلم بفارس الاحلام قافزا من الشاشة لاصطحابها،لكنها تجلس ساعات طويلة ولا تجد من يتقدم نحوها خطوة.كانت قد اشتركت في كل مواقع التعارف،لكن كل هذه المواقع كانت تحمل لها شبابا لا يبحث الا عن المتعة والعلاقات الجنسية،الي ان اهتدت اخيرا الي الفيسبوك فوجدت بين صفحاته بعض الدفء،وتكونت لها خلال بضعة اشهر العديد من الصداقات.اليوم قررت ان تميط اللثام قليلا عن شخصيتها وتضع صورة لها،لعل صورتها تدفع بعض الاصدقاء للتقدم خطوة باتجاهها.كانت قد انتبهت لبعض الاصدقاء،صفحاتهم جذابه وشخصيتهم كما بدت متوازنة،لا تحمل التعقيد ولا التزمت وفي الوقت ذاته لا توحي بانهم من الشباب الباحث عن اللهو والمتعة فقط.
اختارت صورتها بعناية.كانت الصورة جذابة ،فالعينين تحمل في طياتهما بوحا وكلاما لا ينتهي،والابتسامة المرسومة على محياها تظهر ثقتها بنفسها.كل ما اختارته كانت تدقق فيه جيدا.بعد ان تاكدت من ادق التفاصيل،حملت الصورة ووضعتها كصورة للبروفيل لصفحتها،ولاول مره تتجرأ ولا تكتفي بوضع الاغاني انما كتبت عنوانا جذابا وقررت ان يكون رسالة او خاطرة صغيرة،لا تدر لم خطر ببالها ان تكون كلاما عن الحب والشوق:"نمضي الى نهاياتنا بحب ولهفة....
نحتسي قهوة الفجر ونرقب عشق الطيور...
ونمضي...
نصنع من احرفنا مراكب للرحيل...
يتكئ عليها العاشقون بعد حين...
ويصنعون منها اسفارا للعشق والحنين
اما نحن فنمضي غير عابئين...".
اقفلت الصفحة بعد ان اتمت كل هذا،وبهدوء نادر توجهت الى فراشها هادئة ولاول مرة نامت متفائلة بان أحدا ما سيدق باب رسائلها في الغد القريب.
ليلتها حلم واحد لم يفارقها،حلم الفارس القادم علي فرس ابيض والقافز من شاشة الكمبيوتر.غين افاقت في الصباح جهزت قهوتها وادارت مسجلتها،كالعادة،علي فيروز.نهضت باتجاه الكمبيوتر وأشعلته،ثم فتحت صفحتها الفيسبوكية.تفاجأت حينما وجدت عشرات الرسائل حول صورتها.بعضها حمل عبارات غزل وبعضها بوح واعجاب وبعضها دعوات صريحة لعلاقات تتجاوز صفحة الفيس بوك.ارتاحت لردود الفعل على صورتها وقررت التفاعل اكثر مع الاصدقاء في الفيسبوك وعدم اقتصار صفحتها على الاغاني.
في صدر صفحتها وضعت صورة كبيرة لغاندي وكتبت تحتها:"لم يحتج الى توازن استراتيجي لينهي احتلال بلاده".واكتفت بهذا التغيير الاولي في صفحتها ،وبدأت في تصفح الصفحة العامة ووضع اشارات متعددة تنم عن اهتمامها بما نشر من اغاني وكليبات وقصائد.
في اليوم التالي وجدت نفسها مدفوعة الى المزيد من الكتابة فأنزلت خاطرة كانت قد كتبتها واعجبتها:"لم يعد للياسمين رائحة...
وباتت كل دروب المدينة القديمه متشابهة...
فالابواب هدمت...
والبيوت العتيقة اصبحت مواخيرا ومراقصا...
والتجار زحفوا لظل الياسمين فوأدوه...
وكبلوا الفل ولاحقوا العشاق...
وبعد ان كان الربيع ينتشي بقبلات الصبايا...
منع الربيع من الازهار...
واختبأ العشق واسدل النقاب على العيون...
لم يعد هنالك الا السواد...
وفجر يحاول الافلات من عتمة يساق اليها الجميع...".
و دون ان تدري وضعت صوره للرئيس الفنزويلي شافيز وكتبت تحتها "رجل والرجال قليل".
في اليوم التالي اثار انتباهها ان عشرات طلبات الصداقة قد ازدحمت على صفحتها،وحين تصفحتها انتبهت الى ان معظم هؤلاء لا يخفون انتماءاتهم اليسارية ،بل والبعض منهم نشيطون في جمعيات المجتمع المدني ولجان الدفاع عن حقوق الانسان،اندهشت من سبب اهتمام هؤلاء بها الا انها اضافتهم كأصدقاء.
في كل يوم كانت تدون خواطر جديده متنوعة ،الا ان طابعها العام كان حزينا واحيانا كان يمكن فهمه علي اكثر من منحى،وهو ما انتبهت اليه عندما كتبت عن مدينة ما تخيلتها:"غريب دخلتها منذ ثلاثين عاما...
نزعت ثوب الطفولة علي ابوابها وبكيت...
وقفت امام ابواب المدينة عاريا...الا من غربتي...فقد حملتها علي ظهري...وجلت اقرع ابواب المدينة...
لم تألفني القرية المدينة تلك...رغم اني عشقتها...
لكنها مدت ذراعيها وابقتني علي ابوابها...
في كل حارات المدينة تبتسم لك الصبايا...
وينثرن الياسمين الدمشقي امامك...
تحس بالفة المكان...
لكن المدينة لا تفتح ذراعيها للغرباء...
لقد ملت منا...
غرباء تتر..وامثالهم من اعالي الجبال هبطوا...
احتلوا المدينة...
لكن ابواب روحها بقيت موصدة امامنا....
كل ليلة كنت ابصر روحي مصلوبة علي باب توما...
انزع اسمال الطفولة صارخا...
لقد عشقتك منذ النظرة الاولي فلم ابقيت الغربة تفترس مسام روحي...لم ?".يومها ما ان انتهت من تدوين العبارة وانزالها حتي فوجئت بأن اكثر من خمسين تعليقا نزلت اما مبدية الاعجاب ،او متساءلة عن ميولها السياسية،عمرها،محل سكنها،والعديد من الاسئلة الشخصية التي لم ينزل بها الله من سلطان.خلال اسابيع
كان عدد الاصدقاء يتزايد في صفحتها بصورة مضطرده.اصبح الفيسبوك عالمها الكامل،ومع ازدياد عدد اصدقائها ازداد الامل لديها بظهور الفارس ممتطيا حصانه الابيض.وكلما تفاعلت مع اصدقائها علي متن الصفحة كلما اندمجت مع ما يجدي من حولها من احداث.وترافق اندماجها مع من حولها ببدء تناغمها مع صديق باتت تأنس الى ما يكتبه.كان يكثر من التعليق علي ما تدونه ويرسل لها الاغاني والخواطر...لكن المشكلة التي باتت تعاني منها انه كان مصرا علي ان لا يضع صورة له،كان مكتفيا بصوره للجاحظ.الحت عليه ان يرسل صورته لها لكنه كان في كل مرة يتهرب من ارسالها تحت ذرائع شتى.وبعدما كان الفارس الابيض مجهول الملامح باتت تراه متجسدا في نومها وتقاطيع وجهه اقرب الى صورة الجاحظ.
لعل نقطة التحول في مدوناتها كانت مع الحرب التي شنتها اسرائيل على غزة.أحست يومها ان العالم قد قتلها وان الدماء التي تسيل في شوارع غزه لا تساوي عند الجميع قطرة ماء .وتفاعل غضبها بعد تزايد المخاطر التي يتعرض لها المسجد الاقصى فدونت الكلمات التالية:"*
أنت ,,يادمي العربي
يانجمة بيني وبينك
تضيء القدس من لحمي ودمي
من محيطي الى خليجي
من قبل أن يسلمنا الأهل
الى الغزاة..
الى ملوك تربعوا على نعشي
والمعزّون سبايا
من ذلك الزمن الهشّ
ياقدس..
هل ضاعت هويتنا
هل مايدلّ على هويتنا ...سوى دمنا..؟
دمنا الذي يتسلق البخار
دمنا الذي سفكه
ألف ,,ألف جلاد
دمنا الذي كتب على جلودنا الآيات
"سبحان الذي أسرى بعبده...."
والمعزون سبايا
والكل ينشد في الخفاء
"من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى"
من المحيط الى الجحيم
نصبوا المشانق من جديد
لكل فجر ,,,آت من بعيد
ولكل مشنقة مليون واحد من العبيد
فالفجر لن يشقنا
والسيف في غمد قديم
وعنق النخل ملوي
وعمر....في سفر بعيد..!
مرّ المحارب من هنا
يحمل في قلبه الوصايا
يحمل عشقا على اغصان من جديد
يمشي نحو اغنية بعيدة..
يمشي ويمشي الى الحرية
فتحاصره كل زجاجات الخمر المستوردة
دم كثير
هزائم
في كل ركن
في الزوايا
في براعم الليمون
في أولاد الحكاية
فيمن يسمعون
ويولدون
ويموتون
خدّج.... في الحاضنة
لازالوا يتنفسون
أحرقوا كل المرآب
والبحر من ورائكم
والبحر من أمامكم
والبحر تحت أرجلكم
فعلقوا نجمي المضيء
على الصليب
ثم اذبحوه
واتركوا دمه يسيل
نحو كل الحدود
والسرى يكون
"من المسجد الحرام الى المسجد الآقصى"
ولا صدى..
ننادي فيرتد الصدى
شظايا كؤوس
والقدس ,,هديل حمام
تسبيحة في الصدور
أصوات دوران النجوم
حلم على أعناقنا
استغاثات اهلنا
بل قل ...بقايا الروح"*.
كانت تلك الكلمات اشبه بالانفجار الذي اجتاح كيانها. ما ان اكملت تدوين هذه الكلمات حتى سارعت الى ااقفال شاشة الكمبيوتر.تلك الليلة نامت نوما متقطعا،حلم لم يفارقها،الفارس قدم علي حصانه الابيض مادا يديه اليها،لكنها تستيقظ في كل مرة من الحلم قبل ان يلمس يدها. في الصباح كانت متعبة ومرهقة،معنوياتها في الحضيض.جهزت قهوتها وادارت المسجلة علي فيروز .كانت الساعة قد تجاونت منتصف النهار.لم تحس الا على ضجة وضوضاء عالية في الزقاق،اصوات سيارات تتوقف فجأة.طرق عنيف علي باب المنزل،ما ان فتحت الباب حتى احاط بها عشرات المسلحين،تقدمهم شخص ضخم الجثة خاطبها قائلا:اين حاسوبك?لم ينتظر اجابتها ففي عدة ثوان كان اللابتوب امامه.ابتسم وقال:"بيدنا الان كافة الادلة ،هنا كنت تحرضين ضد الوطن،ومن هنا كنت تبيثن سمومك واشاعاتك".ولم ينس ان يتأكد ان عناصره قد استولوا على جميع ال.سي.دي. والاوراق وكل ما له علاقة بجهاز الكمبيوتر.امرهم بجر الخائنة الي الخارج.كانت بقميص النوم،ناشدتهم السماح لها بتغيير ثيابها لكنه رفض بقسوة.حينما اصبحت امام البيت فوجئت بأن السيارات التي اسقلها المسلحون كانت بيضاء اللون.ثلاث سيارات بيضاء تم حشرها في الوسطى منهم.نطرت باتجاه منزلها مبتسمة...لم يكن من اثر للفارس الممتطي حصانا ابيض...لم يكن هناك في الحقيقة الا سيارات بيضاء جاءت لاعتقالها.
*من نص للمدونة طل الملوحي.
Keine Kommentare:
Kommentar veröffentlichen