Seiten

Dienstag, 14. September 2010

معن سمارة يلقي حجراً في المياه الراكدة

معن سمارة يلقي حجراً في المياه الراكدة

من سامر عبدالله‏ في 29 يونيو، 2010‏، الساعة 01:00 مساءً‏‏

معن سمارة يلقي حجراً في المياه الراكدة

عماد أبو حطب (سامر عبد الله)

مع انتهاء الحلقة التاسعة عشرة من بسطة كتاب يكون معن سمارة قد أسدل الستارة على تجربة مهمة تستحق أن يتوقف المرء أمامها، فلأول مرة يتصدى كاتب لمهمة عرض انتاجات الأدباء الشباب والحرص على تشكيل لوحة ثقافية همها الأساسي التعريف بالأدباء الشباب على نطاق أوسع من النطاق المحلي، ورغم أننا شاهدنا في السنوات المنصرمة عدة محاولات لتناول أدب الشباب الفلسطيني، منها ما هو متخصص كتجربة "يراعات" ومؤسسة تامر أو مجلة فلسطين الشباب، وهي المجلة الكتابية الوحيدة الباقية في المشهد الفلسطيني الحالي، إلا أن تجربة البسطة اختلفت عنهما وعن المحاولات الأخرى، ولعل نقطة الاختلاف الأولي الاختيار الذكي لعنوان الإطلالة على أدب الشباب وتسميتها بالبسطة، فاختيار العنوان لم يكن اعتباطيا، فكلمة البسطة فلسطينية ومتداولة في بلاد الشام ويستعملها كافة شرائح المجتمع، دون تمييز طبقي أو معرفي بينهم، فالمثقف ومدعي الثقافة والمتعلم وحتى من يفك الحرف لا بد أن يشده هذا العنوان فيأتي ليشاهد محتويات البسطة ويقلب بضاعتها. أي أن معن أراد بدقة وبخباثة أن يعرض محتويات البسطة أمام العامة جميعا دون تخصيص، وهي محاولة ذكية للخلاص من انعزالية النخبة وتوجهها لشرائح أو فئات محددة من المجتمع، وبالتالي التعالي عن بقية الشرائح بحجة غوغائيتها أو انحدار مكنوناتها الثقافية. لقد حدد لنا معن دون أن نحس أن هدفه جوهر البضاعة وعموم القراء وليس النخبة فقط، وبهذا باتت بسطته متداولة نستعملها جميعنا دون تمييز ، مكان بسيط لعرض إبداعات أدبية لكل من يرغب في المطالعة. ولأن البسطة كما هو متعارف تضم منتجات متفاوتة من حيث الجوهر والشكل، أي أنها متنوعة ومتفاوتة المستوى، فقد أراد لنا معن ومنذ البداية ان لا نقارن بين المعروض من البضاعة وبالتالي التعامل مع كل نتاج كوحدة خاصة قائمة بذاتها وبهذا لا تؤخذ مادة بجريرة مادة أخرى، ولعل هذا احد أسباب تلك التسمية دون أن ندري. وهكذا ألقى معن بحمل بسطته امام المتلقي وترك لنا حرية القراءة والتمحيص وفحص البضاعة التي شملت أسماء بعضها معروف للجميع وبعضها يسلط الضوء عليه لأول مرة تاركا لنا مهمة النقد سلبا أو إيجابا.
وفي الوقت الذي وصف البعض البسطة بالبساطة والعفوية، إلا أنني أرى أن معن لم يكن عفويا ولا تلقائيا في عرض معروض الأدباء الإبداعي. فشئنا أم أبينا لا يمكن أن تجتمع البساطة مع جهد حثيث في انتقاء البضاعة المعروضة وحرص العارض (معن) على عرض أفضل البضاعة التي استطاع الوصول إليها بجهد ودأب يحسد عليهما. وهو إن حاول أن يغلف المعروض بتقديم موجز وبسيط إلا انه كان يمكن تلمس خبث البائع وذكائه في اختيار بضاعته.
هذا من ناحية الاسم، أما من ناحية شكل التقديم فهنا يسجل لمعن ذكاء واضح في رمي الكرة في ملعب القارئ، فهو قد آثر أن يكتفي بمقدمة عامة عن كل أديب او أديبة دون التدخل في تقييم المعروض أو الانحياز لصاحبها، فكان حياده مقصودا ومدروسا، رغم انحيازه لتجربتين بفعل إيمانه بموهبة أصحابهما، إلا أن العموم خلا من النقد، وهو آمر قصده معن بوضوح، فهو بهذا كان يوجه رسالة للقارئ مفادها:
إنني أقدم لكم واجهة عرض واجعل من بسطتي جسرا بين أدباء شباب يبحثون عن منبر جدي لإيصال صوتهم وبينكم كمتلقيين لهذه الإبداعات ولا تتوقعوا مني التدخل فأمامكم النصوص وأنتم أحرار في تقبلها أو نقدها. وهو ما عبر عنه في المقدمة الثابتة والمنشورة كمقدمة لكل حلقة (لا أدعي هنا أنني عرابا، أو ناقدا، أو مميزا، أو متقدما على أحد، لأقدم هذه الأسماء بكل ما تحمله من طاقة، ولغة، وتجربة.. إنني هنا أحاول أن أكون كما أنا، هامشياً يقف على الرصيف، وأنادي على المارة الذين يحملون الجرائد تحت إبطهم ويمضون للمقاهي، والعمل، والأسواق.. أرجوكم انتبهوا لبسطتي هذه، فيها أسماء جديدة مختلفة بتجربة جديدة ومختلفة أيضا.. هم يستحقون أن نلتفت لهم، ونعجب وننتقد ونسرق ما يكتبونه على دفاترهم الخاصة، ونجادلهم الرؤى والقيم والهواجس، وأن نسبح معهم على شواطئهم).
وحتى لا يظن البعض أن معن قد تهرب من النقد لهذه النصوص فان انحياز معن لنصوصه ولأشخاصها كان جليا منذ البداية، فهو من اختار كليهما وهذا يعني إيمانه الايجابي بهذه النصوص ومبدعيها وإلا لاختار غيرها من النصوص والأسماء، وبهذا انتفت العفوية الوهمية ومحاولة الإيحاء بعدم النقد أو الحياد التي أراد معن أن نقتنع بها لترغيبنا على التهام النصوص ودفعنا بصورة ذكية للتفاعل معها، وإبداء الآراء ما دامت لم تخضع للتوجيه الأبوي النقدي منه. وهكذا تفرغ هو للانتقاء والبحث وأوكل للمتلقي مهمة التعليق التفصيلي أو النقد أو إبداء الإعجاب. وفي مجال المعروض يسجل لصاحب البسطة محاولته أغناء المعروض وتنويعه وعدم اقتصاره على جنس أدبي واحد، فضمت البسطة نصوصا في الشعر، والنثر، والخاطرة، والقصة، والرواية القصيرة، وبهذا التنوع وعدم الانحياز للمشهد الشعري دون غيره دفع أوسع قطاع من المهتمين بالإبداع لمتابعة ما ينشره في بسطته. وبات الوصول إليه من قبل الأدباء الشباب مطلبا لعرض انتاجانهم التي استطاع أن يقدمها بانتظام وكل يوم ثلاثاء عبر منبرين مهمين: جريدة "الأيام" الواسعة الانتشار في الوطن، وموقع "الفيس بوك" حيث عرضها في ذات التوقيت في صفحته ونشرها على صفحات العديد من الأصدقاء، الذين يملك كل منهم آلافاً من الأصدقاء، وبهذا ضرب عصفورين بحجر: تقديم النصوص في الصحافة المكتوبة التي لها متابعون مثابرون وعرض البسطة على جمهور واسع جدا من خلال الفيس بوك، لن تستطيع اي صحيفة الوصول اليه. ففي إحدى الحلقات وعبر عملية حسابية صغيرة دهشت أن الحلقة معروضة أمام اكثر من خمسين ألف متابع للفيسبوك، الا وهم عدد الأصدقاء الذين نشرت الحلقة على صفحات أسماء محددة تمتلك صداقات واسعة ومتابعة يومية.
ولعل معن لم يكن يتوقع ان تحظى بسطته بهذا الاهتمام الكبير، فقد كان أشبه بمن ألقى حجرا صغيرا في وسط بركة ماء راكدة فأحدثت دوائر ما لبثت أن اتسعت أكثر فأكثر ليصل صداها خارج جريدة "الأيام" والأصدقاء المحيطين بمعن والبسطة. وكأن البسطة، دون أن يخطط صاحبها لذلك، كأنها أتت كرد فعل على تردي وركود الحالة الثقافية الرسمية وخاصة في الوطن وتربع أشخاص على زمام الفعل الثقافي دون فعل ثقافي، أو لعلها جاءت فرصة لجيل الشباب للصراخ والخروج من دائرة المحلية المغلقة ومحاولة مزاحمة جيل الكبار الذين يتربعون على سدة المشهد الثقافي منذ سنوات طويلة. وربما هنا حملت البسطة أكثر مما تحتمل، ففي حين رأى فيها البعض خشبة الخلاص من "جيل شاخ" وأصبحت الثقافة بالنسبة لهم محل ارتزاق ذات ارتباطات مختلفة ولم ينس أن يتنبأ بأن "البسطة" أعلنت بزوغ الجيل الثالث من الكتاب في التاريخ الادبي الفلسطيني المعاصر، وهو جيل متمرد ومجدد ويظهر انه تجاوز المسارب السياسية والثقافية التقليدية الى عالم أوسع وأرحب إنساني وعام على مستوى النص والتفاعل الوجداني والانساني، جيل يتحرك في فضاء واسع من الحرية الفردية والتعبير عن الهم الخاص الذي يلامس العام بصورة جميلة وعفوية.
بسطة كتابة هي فعل ثقافي حر شعبوي انساني بامتياز واستطاعت أن تنظم حولها تجمعا لا باس به من الكتاب الشباب وان تخترق الحواجز المحلية إلى الإطار العربي والعالمي وبالتالي حركت من حالة الركود والتمزق والتشتت التي تعاني منها الحالة الثقافية الفلسطينية، لقد فاجئتنا بسطة كتابة بهذا الكم من النصوص لكتاب شباب مدهشين بحق، إنها حالة ثقافية تستحق الدعم والاستمرار. ولعل هذا الطرح حمل البسطة ما لا تحتمله ولم يتبادر إلى ذهن صاحبها أصلا، فهي تلقي على عاتقه مهاما قد تعجز عن انجازه وزارات مختصة بالثقافة فكيف سيكون الحال مع بسطة هدفها تقديم أفكار ورؤى جديدة تساهم في تطويرالتفاعل بين الأدباء الشباب وجمهور القراء وفتح ثغرة نشر أمام إبداعاتهم، بعد أن كانت حبيسة الأدراج المغلقة، والصفحات الالكترونية، او الرضوخ لهيمنة ومزاجية كتاب ومحرري الصفحات والمواقع الأدبية. ولعل الصدى الواسع الذي حظيت به البسطة، والذي لم يكن متوقعا، حتى لصاحبها قد ساهم في وضع آمال ثقافية كبيرة وشعارات ضخمة ورنانة وإلقائها على ظهر البسطة حتى قصمته. ففي فترة زمنية قصيرة، باتت "بسطة كتابة"، حديث الشارع الثقافي الفلسطيني، وباتت تتعرض للنقد وتأتيها المبايعة، ويتسابق الكتاب الأدباء الشباب لنشر نصوصهم وإبداعاتهم عبرها، لتصل أصواتهم المكتومة إلى القراء. ومما يسجل للبسطة هنا انها نجحت في الوصول الى قطاع ليس محليا من الأدباء الشباب الفلسطيني فنشرت لادباء شباب من الضفة او غزة او من الاراضي المحتلة عام 48 او من مخيمات اللجوء والمنافي، فاعطت بذلك لوحة فسيفسائية نادرة ومنوعة عن الانتاج الادبي الفلسطيني الشاب، واظهرت، دون ان يعلم اصحابها، وعبر نشر هذه الابداعات المتنوعة تأثير الموقع على الاديب الشاب وابداعاته باختلاف عناوين النصوص وحتى لغتها المستخدمة ومفرداتها وتوجهاتها وهمومها. ففي اسابيع قليلة كان بوسع المتابع قراءة نصوص لسامية عياش الفلسطينية المقيمة في الإمارات، ولرائد الوحش المقيم في سورية، ولطارق حمدان في الأردن، ولغياث المدهون في السويد، ولأنس احمد وفيروز شحرور من الضفة، وأسماء شاكر ونعيم الخطيب من القطاع، ومحمد مجادلة ووفاء كبها من اراضي الـ 48، وبهذا شكلت البسطة جسرا للتواصل ما بين ادباء الشتات والمنفى والوطن كاملا دون الرضوخ للتقسيمات الاحتلالية او لتقسيمات الامر الواقع السياسية. ولأول مرة تنشر نصوص لأدباء شباب من الخارج وفي داخل الوطن فظهر الامر وكأن البسطة"وحدت الكتاب الشباب الفلسطينيين في كل العالم".
وبات ملاحظاً في الاوساط المتابعة للشأن الادبي وخاصة الادباء الشباب انتظار صباح كل ثلاثاء، فهو موعد نشر البسطة واطلالة صوت جديد ليغرد في سماء الثقافة الفلسطينية. ولعلي كنت ممن كان في كل ثلاثاء وكما كتبت في احد الحلقات: "انتظر بسطتك بخوف.. انتظر اكتشافك لصوت جديد من الاصوات التي تملأ فضاء الوطن.. وكل مرة تفاجئني بحسن الاختيار وتجعل حاجبي يرتطما بالسماء من جمال النصوص التي تعرضها".
ولعل من المفيد التطرق السريع للنصوص التي بسط لها معن خلال تسع عشرة حلقة ومحاولة الإطلالة الموجزة على إبداعاتهم. وهنا لن أتناول الحلقات بالترتيب وإنما حسب توفر النصوص وتواجدها لديّ:

أسعد الصفطاوي، وهاني البياري/ جرأة النص واختلاف الصور

من جديد ارتشف أحرفاً جميلة مشعة عبر المبدعين أسعد الصفطاوي، وهاني البياري. ولاكن صريحا فانا لم اسمع بتجربة يراعات من قبل بحكم المنفي البعيد... لكني قرأت مجددا لاصوات مدهشة كـ (منال مقداد، وكوثر أبو هاني، وأحمد عاشور) علمت من بسطتك انها تفتحت في يراع. نصوص اسعد صورها الجميلة تتسم بجرأة واضحة: "وأنا ترجمةُ الملائكة أرضاً...
فعَلَ نايٌ أكثرَ من فِعلِ حفل راقصٍ لعاريةٍ ساديّة
- قلّبني في فمي
- أغمضَ سيجارتي
- نفخَ في صوتي
- تدلّتْ انفاسي ميّتةً إثرَ لحنٍ مزيّف"... "لا بدَّ
أن يرحلَ الشعراءُ عن شعرِهمْ
ويكتب الأسماءَ فتى ينضجُ لاوّلِ مرةٍ".
"... صدّق أو لا تصدّق
أن حشرة حبست نفسها، فلا أطعمتها ولا أسقتها
ولا بصقت أفكارها في عقل إنسانٍ
فكيف الإحساس حينها؟!!
لهذا حين تسترسل في نصوصه تزداد نهما لابتلاع المزيد من الكلمات.. فهي نصوص قريبة منك لكنك لا تستطيع لمسها فهي ان دققت بها حارقة من الوجع والالم الذي تتضمنه والمخفي ببراعة بين السطور: واحدٌ لقصةٍ، وقصةٌ لواحدٍ. والاثنانِ عند كلِّ صباحٍ "لا شيء".
أعمدةٌ من الألوانِ تُضحكني، تُمسيني وتحرقُني، تُدغدغ تفكير غيري بعملي
لكن: ما بال الانتصار بشطبي".
هاني البياري صوته كان واضحا وان احسست انه يتلاعب بالاحرف جيدا، فهو يمتلك ادواته بخبرة عالية ويوظفها بحنكة يشهد له فيها؛ "حبيبتي ينتهي النص،
بوجهكِ يترك المسرح، تغفو معه الستارة، وقلوب الحاضرين
يصفق لنا الجمهور، أنا كَـ "شاعر"، أنتِ كَـ "قصيدة". او كما هو واضح اكثر: "ومرة أخرى سأسرقك من حلمك، أحملك في عينيّ، أنتقي لك طعم اللوز، لترشقيني أخيراً بحظ نبيّ تعثر في امرأة من عوسج".
ولعله يجيد لعبة التساؤل الخبيث لانه يقودك الى الاجابة التي يريدها دون ان تدري: "صديقة، أصابني الصدأ، هل أنت مفاجأة العيد، البارحة نمت في متاهة فوقي سماء قرمزية، أزعجني صمت المدينة، لا صوت هنا، لا تنسيني كثيراً، علنا نتقابل على القمر في نسخته الأرضية، قمرنا الجديد أبيض، يشبهني ويشبهك، أين أنت؟، ومن أنا؟".

أيمن حسونة : الامساك بتلابيب اللغة

لم اقرأ هذا الكم من التفاصيل المكثفة من قبل والذي صيغ بكلمات من النوع السهل الممتنع، كلمات تجمع في جنباتها المباشرة ولكنها في الوقت ذاته منحوتة بذكاء وعناية وتوشي بان ايمن حسونه ليس بهاو لكتابة النثر والشعر وانما متمكن من ادواته وبارع في استخدامها بطريقة مذهلة. عناوين النصوص ملفتة للانتباه، فهو لا يكتب عن المجهول، او يحلق بنا في زخرفة الاحرف ومتاهات الكلمات المتقاطعة، بل يمسك بصوره من الحياة لكنه يصيغها بطريقة تعيد لها ولنا الحياة... اليس هذا ما يفعله حين يقول: ".. هدأ صوتُ المُوسيقى.. أسرَعَ النادلُ ليعيدَ تنظيف الطاولة التي اعتقدَ أنكِ ستجلسينَ إليها، تَسَمّرت عينا الشاب الذي ينتظرُ عندَ البابْ.. حاولَ مُديرُ المقهى أن يبدو أكثر هيبة.. وهو يَفركُ وجهه بيديه ليُظهرَ بيضاها من أي مَحبسْ.. تَحولَ شجارُ عاشقين مُبتدئين.. إلى حَديثٍ هامسٍ يَفيضُ بمفرداتِ الحُبْ... كَثُرَ روادُ المَقهى.. هكذا.. فجأة..!
.. لمُجرد أنكِ قررتِ ان تشربي فنجانَ قهوة.. في مقهى عادي قَبلَ دخولك..
.. ومفعم بالحياة.. بعد أن وطأته!! ... او في بعض التفاصيل: صَفحةُ الكتابِ المُستَلقي قُربَ رأسي ما زالت كما هي منذُ أكثر من عشرِ ليالٍ...لَم تتَغير.
كوبُ العَصير الذي وضعتهِ قُربي.. حينَ مررتِ لتطمئني على مَرضي بأنه لم يَزل مُتَمكنّاً مِنّي... لم يغادر مكانَهُ.. احتَفظتُ بهِ.. لأنسى!
الجرائدُ تملأ الصندوق في الحَديقة.. لم أتناول أيّاً منها منذُ أسبوع تقريباً!
القَهوة التي اشتريتها يومَ كُنّا سوياً... نَسيتُ أن أفرغها في العُلبة.. فتركتها قُربَ عُلَبِ - البهارات - فأضحت قهوة مُثمَلة بطعَمِ الكَمون... والكَثير من الغِيابْ!
.. المِنفَضةُ فاضتْ... وزهرةُ السيجارة استلذت بطعم السجاد.. فأكلَت منهُ قليلاً...!
.. باقَةُ الزهور البيضاء.. اصفّرت!
.. ثوبُ الاستحمام الأبيضْ.. اصفرَّ!
.. قائمة الحاجيّات اللازمة للبيت المكتوبة على ورقةٍ بيضاء... إصفَّرت!
.. وَجهي المُفعَمُ بالحب.. الناصعُ الشَوق... اصفرَّ!
.. الطريقُ إلى غُرفةِ الجُلوس.. ومنها إلى غُرفَة النَوم.. بجدرانها البيضاء...
أظلَمَتْ!!... تنهل من تفاصيل ايمن ولا ترتوي... تعجل معه في عالمه السحري برشاقة.. فتحسده عليه...: "كُنتُ أرافقُ سحابةً لِتمطر.. و اهروِلُ خلفَ شهابٍ سَقط.. لأمسكَ الأمنيات الملقاةِ قُربَه!........ كَيفَ تَبدو وَشوَشةُ الخلخال حينَ تَضعيه فوقَ "الجبس"؟!...... أنا شابٌ واحد... وأمهاتي كثيرات!.
.. لَم تلدني ولكنها أمي أيضاً، حتى وإن كان اسمي لا يبدأ بحرفِ العَين، فالقلوب لا تعترف بأسماء اخترناها نحن لتعلن حالة الأمومة!!....
نص ايمن او عناوين نصوصه تدفعك لاكتشاف المزيد من كتاباته... وانتظار اصداره الكتابي الاول... فاحرفه لها سحر خاص ووقع على الروح يشبه الموسيقى...

هلا الشروف: نصوص التفاصيل المدهشة

في الحلقة المخصصة للاديبة الشابة هلا الشروف كان لا بد من الترحيب الخاص بهذا الصوت الجديد فهلا تمتلك خاصيتين تتطلب الترحيب بهما، الاولى انها من الاصوات النسائية الجميلة التي بات على المهتمين بالابداع دعمها والوقوف وراءها خاصة مع تزايد المد الظلامي الذي يحاول الحجر على النساء واعادتنا لعصور الظلام. والثانية ان هلا فعلاً من الاصوات المميزة منذ مجموعتها الاولى، اليوم في ما اخترته لها تجد نصوصا جميلة دافئة مليئة بالسرد والتفاصيل ففي سيدة لا تشبهني تحلق هلا في التخيل وتجعلنا نعيش معها هواجسها وعالمها الخاص والملتبس: "سيدة لا تشبهني
تخلع الماضي
على طرف السرير
وتركب أولى الطائرات
إلى احتفالات السنة الجديدة...
فالذكريات خفيفة
كوشاح صيف
في هواء مر"... "وأنا هنا....
على أرض هم
وبين الزوايا...
أنام قليلاً وأصحو قليلاً
وأفرش ذاكرتي فوق كتفي
لعل الليل يبصرها فيتعب
ثم يرحل
خلف غيماتٍ تمر"...
جميلة ومدهشة هذه المقارنة الثنائية بين الذات والمشتهاة... بين الواقع والحلم ... خاصة ان عبر عنها برشاقة وباحرف مليئة بالاحساس: سيدة لا تشبهني
تخرج الآن من حلمها
تفتح نافذة للصباح الودود
وتغري عصافيره
أن تحط على شالة من قصب"...
في نص ايلول تكثف هلا من صورها ويزداد عمق الاحاسيس لديها ويصبح للنص نكهة جميلة معتقة لكنها حزينة: "وأنا نهايات احتراق الصيف والذكرى
وأول لسعة
من برد حب مستحيل أو شتاء
أنا كل حالات الوجود
أنا العصي على الكلام
أنا الوحيد........ أنكون أنفسنا غداً؟
هل نحن وقت؟؟
أم للوقت صورته التي
ترمي علينا وجهها
لنكون وقتاً من بشر
وهل نحن اختصار الأسئلة
عما يمر على الزمان من الزمان
ومن تفاصيل آخر؟
هل تكبر الأيام فينا حكمة
أم هل نشيخ ولا ترانا
غير ظل قد عبر"...
النصوص تفيض بالرقة كما في نص الحب يقتلني على مهل.. هنا تقف حالما مع هلا مأخوذا بصورها التي توصلك الى خاتمة رائعة: فلا أنا
فوق الوسادة استميل الحب لي...
ولا أنا بيديك
كي تهوي قتيلاً"...
هلا صوت يجب ان لا يتوقف... فاستكانته للسكون خسارة كبرى.. خاصة انها تمتلك الكثير فالكثير مما لم تقله حتى الان.

تغريد عطا الله/ المشاغبة الجميلة

كنت قد قرأت لتغريد اكثر من نص، وكلما هممت بالكتابه لها كان امرا ما يعطلني عن نصوصها الجميلة، فكأن القدر كان يرجئني لاكتب عنها هنا فيضمن هذه المادة عن البسطة... لن اتحدث مطولا عن هذه الشعشبونة الجميلة التي نقلت لنا احساسها المرهف بوقع هذه الكلمة عليها بكلمات بسيطة ساخره لكنها تدفعك لتذكر طفولتك بالرغم عنك ومعها الاسماء التي كنا نتنابز بها ونحن صغارا، ونهاية القصة جميلة جدا كأنها نيوتن يصيح: "كل ما أعرفه أني مؤخرا اكتشفت أنّه ربما هناك ثمة تشابه بيني وبين (الشعشبونة) أي خيوط العنكبوت، وأنّ الطفل لم يكن سوى وسيط لإعلامي بهذه الحقيقة، ما دفعني للتفكير ملياً والفحص والبحث في ملامح وجه أوهن بيت.. أنا شعشبونة... أنا شعشبونة". اما نص جدتي فقد ابكاني لانه ذكرني حقا بجدتي اليافاوية صاحبة الحكايات كانت كجدتها تماما تحب صبغ شعرها والثياب المزركشة القصيرة والنقود الورقية... الا انها كانت دوما حزينه لانها تركت وراءها كل ما تملك في يافا... هي جدتك/ جدتي/ جدتنا/ كل الجدات يا تغريد وقد وصفتها بدقة تحسدين عليها. في اين نصي الجديد تتحايل علينا تغريد وتمرر صورها الجميلة بذكاء ملفت للانتباه لتجعلنا نتساءل معها في النهاية ان لم يكن هذا نص جديد فكيف هو النص الجديد... في نص مرآة الروح تعالج تغريد مسألة الزمن وانعكاساتها علينا باسلوب ادبي جميل وبصور مذهلة، تفاصيل صغيرة تجعلك كأنك انت الواقف امام المرآة التي تعري اثار الزمن ليس على اشكالنا فقط وانما علي ارواحنا... "تآكلت مرآتي.. وبدأ شبح البعد بيننا يظهر شيئاً فشيئاً ويوماً ما قلّ فيه العزاء بكيت فيه أمام صدئها البني المحمّر، فاجأني صدؤها بيد تحمل بين أصابعها وردة مزهرة بلون أحمر قان، وللحظة شعرت وكأنّها يد جاءت امتدت لي من العالم الآخر لتعزيني، فقلت: يا لحظي السعيد! كفكفت دموعي، وفرحت بمرآتي الصدئة!"... نصوص تغريد تحتاج لقراءة مطولة فهي جمعت ما بين القصة القصيرة والحكايه في ان واحد... ومزجت بينهما باسلوب بسيط احيانا وبمراس ادبي وتمكن من التقاط الحروف وتطويعها في احيان اخرى... اتمنى ان اقرأ لتغريد اكثر فاكثر فهي ستكون من القاصات الفلسطينيات البارزه ان لم تتوقف عن الابداع..

محمد عطا: وهج الاحرف وبريقها الآخاذ

في نصوص محمد عطا تجد نضجاً واضحاً ومقدرة على الامساك باللغة من حيث بهاء الصور وجمالها والق الاحرف المنسوجة باحتراف واضح، ومن الواضح نضج تجربته الشعرية في نصوص مختلفة لعل ما نشرته البسطة مثالا عليه، فهنا يتلاعب محمد بالصور الشعرية بطريقة مدهشة ويجعلك تعيش النص وتحسه دون ان تشعر:
"نحن
بأرجلنا القصيرة
وشفاهنا الجافة
لا نعرف الصحراء
ولكنها بنا"، وينقلك برشاقة في عالمه المتخيل القاسي احيانا ولكنه في معظم الاحيان رقيقا شفافا مليئا بالحب: "في البلاد اللازوردية
عشق الإله ثلاث نساء
وأنت الرابعة
ولـم يشبع من حرب القبل".
ما نشرته البسطة من نصوص لعطا جعل العديد منا يفتش عن نصوصه الجديدة، ويمكن القول ان مع كل نص جديد لعطا نكتشف أن أحرفه تزداد وهجا وتدفعك للاعجاب بتجربته الشعرية وبمواهبه المتعددة والملفتة للانتباه. ويمكن القول دون تحيز انك مع كل نص جديد تكتشف محمد عطا اخر، فهو يدهشك بصوره وبخيالاته وحتى في شخوصه المتعددة والمرسومة بدقة. وتحس كأن نصوصه تتراقص فيها الانغام والصور وتتلاحق دون توقف حتى تقطع نفس القارئ المتلهف لالتهام المزيد منها."...
الـمطر جاء غزيراً
يغض على أطراف أصابعك
يرتب خصل شعرك في حياء
ويترك ربع قبله تحت ثغرك".
في النص الثاني يتفوق عطا في رسم الصور بدقة متناهية فتأتي حاملة اكثر من وجه ومعنى وكل متلق يفسرها كما يشعر بها. "كأني لـم أعد حياً
في هذا النهار الطويل
والليّل احتضار الفرائص
كأني أحملُ نعشي
على طبق من غمام
كي يفتح شهية الـموت
على مصراعيه
وعلى روحي الـمتعبة
ويقطع السبيل...
على حلـمي الثقيل
كأنّ الكلام الـمختل
يلفظ أنفاسه الباقية
ويكتب خلسةً
خطبة وداع أخيرة
لحبٍ يمشى الهوينى
على درب الرحيل....
وكأني لن أرى أحدا سواي
يمرّ كسحابة صيفٍ
على لحدي
ويُلقي عليّ لفظة شكرٍ
تؤخر موتي
إلى عمّا قليل".....

فيروز شحرور: رهافة النص وألمه الكبير

لم أقرأ من قبل لفيروز شحرور، وأأسف ان أقول، لعله بسبب المنفى، لم اسمع باسمها لجهلي المدقع بالحركة الادبية الشابة في عموم الوطن، الا ان النصوص التي افردتها البسطة لها جعلتني اتوقف امامها مطولا فنصوص فيروز مليئة بتفاصيل الحياة وبكل الوانها، وحين تقرء لها كأنك تعيش الحياة بوجعها وألمها وبحلوها ومرها، ففي جسد الأرصفة تصدمك الصورة القاسية المليئة بالغربة حتى عن الروح:
"يحمل وجوهاً متناثرة
بعبق الوجود الـميت
تستلذ أنثى بخلع وشاحها
عمياء
صماء
تتحدث كل اللغات
وتبتعد أفعالنا عنها"
ومن يدقق في صور فيروز سيجد صورا رقيقة ولكنها مغرقة في التشؤم: "الوقت يعوم في الأمكنة
فائض فراغ
صار الوطن ورقة وألوانا
والحب زئير وآهات
تلك حقيقة". في تفاصيل النص صور جميلة رغم قسوتها، صور تشي باحساس كبير ومعرفة بتلاوين الروح "وضوح كاذب، ترتعش النساء الفاضلات، يبكي الرجال فوق أضرحة الشرف، ينتهي شيء، وتبدأ كل الأشياء".
لعل هذا المقطع يؤشر على مدى الالم الذي يفوح من نصوص فيروز والذي يصيبك بالدهشة لحدته وقسوة صوره:
"اشتهى الفؤاد فيه هجرة
لا وطن لي
لا سقف
ولا حتى رجل
حين اندثر
يواسي
اغتصاب الشمس من حرقتها..."
في نص جوع تقرأ نصا متعبا للروح، مليئا بالقنوط والكآبة، لكنك رغم كل هذا تحبه وتحس كانها تكتب عنك، هي تكتب عن الهجر والخواء والوحدة القاتلة:
"لدي ولدان بالأصل، وأنا حبلى... لـم يعاشرني زوجي منذ سنتين... أو بضع سنين. لـم أعاشر غيره بالطبع، ولكني حبلى... أشعر بذلك. يفاجئني إعيائي صباحاً... يقتلني التفاف الأرض حولي... أحشائي تتلوى وتغص
أنا لـم أقل لزوجي إنني حبلى... وكيف لي ذلك؟؟... فهو لـم يعاشرني، ولـم يجث فوق الوقت الـميت بزفراته الساخنة... كيف أبرر له رطوبتي الفجائية وهو الـماء... جافة... ذابلة... مرتعشة... عطشى أنا.
أذهب لطبيب نسائي ذات يوم... قدماي تتدليان كسيقان ذرة في يوم حار... أرتعش خوفاً ورغبةً
"هل أنا حقاً حبلى"..
يربكني صوت تمتماته، واتساع عينيه في الأفق...
"هنا تدخل الحياة... هنا تخرج الحياة". يقف... يوليني ابتسامة صفراء ويمضي نحو عرشه.
"... البرودة في نصف جسدك ليس إلا... ابحثي عما يلهب اللهيب... أنت لست حبلى".
ينقصك هو
نصوص فيروز تؤشر لموهبة كبيرة ننتظر منها الكثير ونترقب المزيد من نصوصها المبهرة.
ü

سامر عبد الله: كاتب فلسطيني يعيش في ألمانيا
تاريخ نشر المقال 29 حزيران 2010
· · المشاركة
  • Suad Issawi‏ و Touria Uakkas‏ و Ishraf Shiraz‏ و 13‏ آخرين‏ يعجبهم هذا.
    • Rasem Almadhoon جهد رائع يا سامر عن بسطة تستحق فعلا
      29 يونيو، الساعة 01:17 مساءً‏ · ·
    • Ma'moud Kaawash كما عودتنا دائماً تهتم اهتماماً خاصاً بالحركة الثقافية الفلسطينية وتبذل جهوداً مشكورة لتقدمها للآخرين بالشكل الذي يليق....بوركت وبورك جهدك الجميل وعطاؤك المتواصل
      29 يونيو، الساعة 01:57 مساءً‏ · ·
    • Maen Barqawi شكرا يا صديقي سامر عبدالله,والشكر موصول أيضا للصديق الجميل معن سماره على مجهوده الجميل في بسطة كتاب...أتمني لكليكما التوفيق والنجاح في خدمة قضايا الأدب والأدباء الشباب..شكرا لكما ألف شكر.
      29 يونيو، الساعة 03:04 مساءً‏ · ·
    • Angel إبنة الأرز جميلة بادرتك وان كانت ليست الاولى صديقي العزيز سامر
      دائما تحضن فلسطين وترسل فيها اسما معاني الصمود الا وهي حركة الثقافة الراقية
      بوركت صديقي
      29 يونيو، الساعة 03:24 مساءً‏ · ·
    • Aida عايدة نصار تحياتي لك ولمعن ولكلّ من ذُكر هنا
      29 يونيو، الساعة 07:21 مساءً‏ · ·
    • Majida Ghneim
      مساء الخير عماد ابو حطب ..واسميك في اسمك الحقيقي لاني اول مرة اراك في صورة الاصل..ايها الفلسطيني ...اهتمامك في بسطة معن يعني مشاركته في رمي الحجر , والذي اراه بين اعين النائمين .
      معن سمارة ابدع في الفكرة وحاول ان ينفذ قدر ما امكن ..واعتقد ... انه نجح بنسبة كبيرة ..وقام في مجازفة لتحمل مختلف الردود ..وكان من الذكاء ان توقف في الوقت الملام ..لهو تحياتي ولك العافية يا عماد على الجهد الذي يماثل جهد معن سمارة ..ودمتم للوطن احرار مشاهدة المزيد
      29 يونيو، الساعة 08:58 مساءً‏ · ·
    • Yosr Fawzi بورك جهدك أيهـا المبدع ,,,, بهذه القراءة تسنى لنــا معرفة العديد من الأقلام .... ألف شكر .... و دمت دومــا على كرامة
      29 يونيو، الساعة 11:19 مساءً‏ · ·
    • Naim Al Khatib جهد مشكور عماد، إحتفاء يليق بمعن وبالبسطة
      30 يونيو، الساعة 12:10 مساءً‏ · ·
    • Touria Uakkas
      قرأت نصك الذي بدوره كان بسطة لبسطة الصديق معن و أعجبتني هذه القراءة المحفزة لقراءتان؛ قراءة كل ما كتبه معن و قراءة نصوص هؤلاء الشباب
      بودي لو أن كل واحد هنا حاول تقديم نصوص الأخر الفيسبوكية لخلق جو رائع من الحوار الأدبي الجاد بدل الاكتفاء بت...لك التعليقات التي يغلب عليها طابع المجاملة أكثر
      أقول هذا لأنني قرأت نصوصا شعرية و غير شعرية رائعة و تستحق دراسات و قراءات بحجم جمالها
      أعلم يا أستاذ سامر أن السهل المبسط الجيد أو النقل السهل الممتنع لا يكون الا الأجمل جودة و نتيجة
      و شكرا لهذه القراءة و تحياتي لك و للاستاذ معن
      مشاهدة المزيد
      03 يوليو، الساعة 02:38 صباحاً‏ · ·

Keine Kommentare:

Kommentar veröffentlichen