ياسين...ابو صياح/قصة قصيرة
ياسين أو أبو صياح ،كما كان يحب ان نناديه، غاب كالفراشة،لكنه لم يترك ورائه اثرا كماكنت اتوقع.ياسين عرفته في عنفوان شبابه،في بدايات الحرب الاهلية اللبنانية،تطوع يومها ولم يكن قد تجاوز السادسة عشرة من العمر،جاء من حي الطوبجة ،احد التجمعات الفلسطينية في بغداد.كان مليئا باحلام الثورة.شاب ضخم طويل القامة،كث الشارب واللحية ،له شعر طويل مجعد كانه غابة يحملها علي كتفيه،متهور الي حد الجنون.تميز في اقتحامات الاسواق التجارية،مقاتل شرس لا تعرف الرحمة طريقا الي قلبه وقت المعارك،لكنه ما ان يتوقف اطلاق النار حتي يتحول الي طفل صغير يضحك حتي يغمي عليه،يأكل بشراهة،ولا ينفك عن الهروب منا ما ان يثمل قليلا،حتي يعود مزهوا برجولته من حي الزيتونة،اخر مواخير بائعات الهوي في بيروت.
ياسين،كان شبه اميا،بصعوبة تذكر يفك الحرف،لكنه كان شيوعيا بالفطرة كما كان يحب ان يصف نفسه.فقد كانت لديه نظرية طريفة ان الشيوعيين قسمين:القسم الاول الشيوعيون بالفطرة وهو مثال صارخ عليهم،وهؤلاء ينحدرون من اصول مسحوقة ومعدمة ولهذا يكونون مدافعين صلبين عن الرايات الحمراء،وقلما يتساقطون اثناء مسيرة النضال،اما القسم الثاني فهم الشيوعيون بالاكتساب،وهم من يكتسب الفكر الاشتراكي بالمعرفة ،وهؤلاء يكونون طلابا في معظمهم ومن اصول برجوازية سرعان ما يتركون التنظيم ويتحولون الي المعسكر المعادي عند اول منعطف او ازمة يمر بها الحزب.ولم يكن ياسين يخفي ازدرائه للقسم الثاني ،وتهجمه عليهم كلما لاحت له الفرصة،مع ان جل اصدقا ئه في التنظيم هم من هذا النوع.ونكاية بالمتثاقفين كما كان يسميهم كان ياسين لا ينفك يتباهي انه لم يقرأ رأس المال لماركس،ولم يسمع في حينها بروزالوكسمبورغ،ورغم كل هذا فهو يكره البرجوازيين والامبريالية وطبعا الصهيونية،كان قليل الكلام لكنه سريع البديهة وسليط اللسان حين ينطق.
ينحدر أبو صياح من عائلة فقيرة معدمة خرجت من قرية اجزم مع الجيش العراقي حين انسحب عام 1948 من فلسطين لانه"ماكو اوامر "باطلاق النار،وظن جده ان خروجهم سيكون قصيرا ،لكنهم وجدوا انفسهم ،25 شخصا يتكدسون في غرفة صغيرة في اسطبل للخيل ،ومن يومها اصبحت الغرفة هي سكن العائلة بقضها وقضيضها.ورغم تكدسهم بعضهم فوق بعض الا ان الحياة لم تتوقف ،كما يقول ياسين،فابوه قد تزوج في الغرفة،وهو واخوته ولدوا في الغرفة وكذلك ابناء اعمامه ،وحين انفجر الوضع السكاني في الغرفة انتشر افرادها للاستيلاء علي غرف جديدة تركها لاجئون هربوا من بؤس الاسطبل الي اماكن اخرى في بغداد.ياسين كان يتندر علي جده كثيرا،ويقول،رغم انه كان قد اقترب من السبعين الا ان نفسه كانت خضراء وكل ليلة كان يقترب من الحجة،رغم تكدس الجميع فوق بعض،مطالبا اياها بالوصال وسط ضحكات مكتومة تتناثر في ارجاء الغرفة.
لم يكمل ياسين الابتدائية،عمل صبي حداد لفترة،ثم صبي نجار،وبائعا متجولا،الي ان انتسب لتنظيم يساري،واعتقد انه وجد مخرجا من كل ازماته الحياتية بالانخراط في المقاومة.منذ عام 1974 لم يغادر ابو صياح قواعد المقاومة،شارك في الحرب الاهلية ،وفي معارك الاجتياح الاسرائيلي وحصار بيروت،وفي معارك الاخوة ضد المخيمات حيث كان قد اصيب في معارك الدفاع عن مخيم برج البراجنة،ونقل بعدها الي دمشق للعلاج.،وحينما عاد لم يكن وحيدا،بل كانت برفقته عروسته الشابة.و بسبب اصابته في العمود الفقري تم تحويله الي عمل اداري.ومع توقيع اتفاقية اوسلو عام 1993،وبدء حملة انهاء اوضاع المتفرغين، انهي تفريغ ياسين فجأة،والسبب المعلن عدم الحاجة له كمتفرغ،بينما كانت الحقيقة ان الفصائل بدأت في تطبيق سياسية جديدة قوامها انهاء التفرغ في مخيمات اللجوء والشتات،وفتح الباب امام تفريغ اكبر عدد من ابناء الضفة والقطاع والعائدين الي مناطق السلطة الوطنية. وهكذا وجد ياسين نفسه وقد بات بلا عمل .جن ياسين وغضب كثيرا،فهو لم يكن يتوقع ان تكون نهايته بهذه الطريقة الدراماتيكية،وان يستغنى عنه بجرة قلم.خاصة انه لم يعد وحيدا ،فقد اصبح مسؤولا عن زوجة حامل،وطفلة يقترب مولدها بعد بضعة اسابيع.
لاول مرة يحس ياسين بالعجز الكامل،لقد احس انه لم يعد ابو صياح الذي كان يحسب له الف حساب علي محاور الشياح وعين الرمانة،لقد احس انه طفل يتيم،فقد كل عائلته فجأة،فهو منذ ان بلغ بالمعني المادي والجسدي لم يقابل اهله ولم يعرف له مكانا الا في مكاتب التنظيم وقواعده،والان فجأة اختفي الجميع وبات اهل اوسلو في الضفة وغزة وبقي هو وحيدا مع الرعاع وسكان المخيمات كما بات يطلق عليهم.
بكا ابو صياح لاول مرة في حياته،بكا كطفل وجد نفسه وحيدا في غابة لا يعرف مداخلها ولا مخارجها ،حتى زوجته احتارت في ضعفه المفاجئ،حضنته حاولت ان تخفف عنه،التصقت بجسده،قبلته لاول مرة دون ان تنتظر ان يقبلها،داعبته،وفي لحظة ضعفه احست انها تشتهيه وترغب في ان تضاجعه،اكتشفت ان ابا صياح لم يعد موجودا وان الذي امامها ليس الا ياسين الانسان،ياسين الذي كانت تتمني ان تبثه رغبتها وتسمعه انين جسدها،لكن ابو صياح كان يقف لها بالمرصاد.حين جذبته الي السرير،توحد جسداهما،واحست انهما لاول مرة قد وصلا ذروة النشوة معا،في حين كانت دوما تراه يصل...ويتركها تذوي متوحدة...ما ان انتهيا،حتى احس ياسين ان ابا صياح قد مات وان الاوان لدفنه.
منذ الفجر بدأ في البحث عن عمل،خلال اسابيع قليلة كان قد عمل حمالا،ومساعد طوبرجي،وعامل بلوك،وزبالا،وغاسلا للاطباق في احد المطاعم...عشرات من المهن الدنيا زاولها ولم يتأفف،فهو يعلم انه امي ولا يجيد اي عمل ولا خبرة له الا في حمل السلاح.تحمل كل هذا الي ان افاق فجر يوم علي طرق عنيف علي باب منزله الحقير كما كان يسميه.كان امام الباب دورية حملته لاحد الفروع للتحقيق معه،شهر كامل استضافوه واكرموه واحسنوا ضيافته،وحينما خرج كان قد كفر بكل ما حوله،خاصة ان زوجته لم تستطع ان تعرف له سبيلا خلال هذه الفترة،وحينما خرج كان قد اصبح ابا لطفلة ولدت منذ اسبوعين ولم يرها،كان قد بدأ يفكر في الهجرة،خاصة انه كان مطالبا بمراجعة ذلك الفرع يوميا،في تمام السابعة يدخلونه الي ممر ويجلسونه علي كرسي وورائه مارد ضخم،ان تحرك يمينا او يسارا كان يصفعه بقوة،12 ساعة يوميا يتكرر المشهد،ويمر امامه كل من يتم التحقيق معه،بعضهم يساقون للتحقيق وسط اللطم والركل،والبعض الاخر يقطر دما وهو جالس في الممر يسمع كل الصرخات والانات،لكنه جامد كالصخر...في تلك الليلة اخذ قراره بالهجرة الي اي مكان في العالم،المهم ان لا تعيش طفلته الكابوس الذي ينام ويستيقظ كل يوم عليه.
رتب اموره للهرب سرا مع زوجته وطفلته الي اوروبا،استدان وباع كل ما كان يملكه،حتي محبس الزواج اجبر زوجته علي خلعه لبيعه.استطاع تامين تهريبا الي بيروت،وهنالك امن له رفاق الطريق السابقون جوازات سفر مزورة وفيز الي المانيا وبضعة عناوين لرفاق سبقوه في المنفي لعلهم يفيدوه.في مطار برلين لم يصدق انه تخلص من كابوس طويل.تلفن لاول الاسماء لكنه لم يجد منه اي ترحيب وما سمعه كلمات قليلة:شو اللي رماك علي هالبلاد،ارجع يا اخي اذا كنت بتقدر.الجواب ذاته تردد علي لسان كل من هاتفهم.لم يدله احد اين يذهب او كيف يدبر اموره.خيار ياسين الاخير بعد ان تبخر حلمه الوردي لحظة بلحظة تقديم طلب اللجوء.كان وصوله الي مركز تقديم الطلبات مساء الجمعة .هناك في المركز ،وقف ياسين وزوجته وطفلته في طابور طويل،حين وصله الدور كان التعب والجوع قد نالا منهم.كان يظن ان طلب لجوئه سيقبل فورا،اعطي طلبا لتعبئته،لم يفهم منه حرفا،تم تبصيمه واخذ بصمات اصابع يديه وراحته هو وزوجته،صور في اوضاع شتى،بحث عن العلامات الفارقة التي تميزه...لا يدري لم احس انه لم يغادر مركز المخابرات ذاك الذي فر منه.وحينما احس المحقق ان ياسين لا يفهم كلمة من كلامه،اتصل تلفونيا وطلب مترجما عربيا.
لن ينس ياسين ذلك المترجم ابدا،فقد تصرف معه كضابط مخابرات سافل.بدأيترجم الاسئلة والاجوبة:الاسم،العنوان،الحالة الاجتماعية،الاب،الام ،الاخوة ،التعليم، المهنة،الانتماء السياسي،الدول التي زارها،الاحكام القضائية المحكوم بها،انماء افراد عائلته السياسي،من يعرف في هذه البلاد،لم اختارها لتقديم طلب اللجوء،كيف وصل هنا،من ساعده...واخيرا لم طلب اللجوء?كان المترجم ينظر اليه كأنه ينظر الي حشرة،يزجره ان تأخر في الاجابة،ويصرخ فيه ان قال لا اتذكر هذا التفصيل،وحينما عرف انه مقاتل علق المترجم العربي قائلا انت اذا من هؤلاء الذين لا يعرفون شيئا الا حمل السلاح والقتل.ود لو ان الارض انخسفت تحت اقدامه وابتلعته.ما ان انتهي التحقيق حتي اخبره المترجم انه يتم تحويل اللاجئين الي مقاطعات عدة حسب جنسياتهم واسباب لجوئهم وموازنات كل ولاية.وانهم لن يبقوا هنا لان هذا المركز قد تم تخصيصه للقادمين من البوسنة والهرسك والفارين من اتون الحرب هناك. وما تم معه ليس الا تحقيقا اوليا سيستكمل في مركز اللجوء الدائم وسيتم فرزه الي بعد يومين فقد دخلت البلاد في عطلة نهاية الاسبوع.وفي هذه الاثناء سيقيم مع زوجته وطفلته في عنبر اللاجئين الذين ينتظرون ترحيلهم الي مراكز اخرى.اقتيد الي عنبر كبير مليء بالاسرة،وفي نهايته حمام مشترك.لم يكن في العنبر احد.ارتاح للامر،من شدة التعب استلقي علي احد الاسرة.وغط في النوم،ساعة او اكثر واذ به يستيقظ علي جحافل من البشر تقتحم العنبر،كأنهم من قوم ياجوج وماجوج،صرخ وتدافع وتسابق للحصول علي سرير،فتية وفتيات،كهول ونسوة عجائز...اصبح العنبر كيوم الحشر..اقوام شتي :صرب وبوسنيين وغجر وكروات..اكتظ بهم المكان،صبية وفتيات يتمازحون ويتبادلون القبل كانهم في بيوتهم،عجائز تلطم ورضع يصرخون...ورجال يتبادلون الشتائم...نطر تجاه امرأته فوجدها قد تكومت حاملة طفلتهما علي طرف السرير ،تنظر اليه معاتبة:كانها تقول له:اهذه هي نهايتنا?نظر من حوله رآي ابا صياحا علي متاريس عين الرمانة ،وشاهد ياسين ينتحب من نهاية لم تكن متوقعة...اغمض عينيه...لكنه لم يفتحهما بعد ذلك قط.
ياسين،كان شبه اميا،بصعوبة تذكر يفك الحرف،لكنه كان شيوعيا بالفطرة كما كان يحب ان يصف نفسه.فقد كانت لديه نظرية طريفة ان الشيوعيين قسمين:القسم الاول الشيوعيون بالفطرة وهو مثال صارخ عليهم،وهؤلاء ينحدرون من اصول مسحوقة ومعدمة ولهذا يكونون مدافعين صلبين عن الرايات الحمراء،وقلما يتساقطون اثناء مسيرة النضال،اما القسم الثاني فهم الشيوعيون بالاكتساب،وهم من يكتسب الفكر الاشتراكي بالمعرفة ،وهؤلاء يكونون طلابا في معظمهم ومن اصول برجوازية سرعان ما يتركون التنظيم ويتحولون الي المعسكر المعادي عند اول منعطف او ازمة يمر بها الحزب.ولم يكن ياسين يخفي ازدرائه للقسم الثاني ،وتهجمه عليهم كلما لاحت له الفرصة،مع ان جل اصدقا ئه في التنظيم هم من هذا النوع.ونكاية بالمتثاقفين كما كان يسميهم كان ياسين لا ينفك يتباهي انه لم يقرأ رأس المال لماركس،ولم يسمع في حينها بروزالوكسمبورغ،ورغم كل هذا فهو يكره البرجوازيين والامبريالية وطبعا الصهيونية،كان قليل الكلام لكنه سريع البديهة وسليط اللسان حين ينطق.
ينحدر أبو صياح من عائلة فقيرة معدمة خرجت من قرية اجزم مع الجيش العراقي حين انسحب عام 1948 من فلسطين لانه"ماكو اوامر "باطلاق النار،وظن جده ان خروجهم سيكون قصيرا ،لكنهم وجدوا انفسهم ،25 شخصا يتكدسون في غرفة صغيرة في اسطبل للخيل ،ومن يومها اصبحت الغرفة هي سكن العائلة بقضها وقضيضها.ورغم تكدسهم بعضهم فوق بعض الا ان الحياة لم تتوقف ،كما يقول ياسين،فابوه قد تزوج في الغرفة،وهو واخوته ولدوا في الغرفة وكذلك ابناء اعمامه ،وحين انفجر الوضع السكاني في الغرفة انتشر افرادها للاستيلاء علي غرف جديدة تركها لاجئون هربوا من بؤس الاسطبل الي اماكن اخرى في بغداد.ياسين كان يتندر علي جده كثيرا،ويقول،رغم انه كان قد اقترب من السبعين الا ان نفسه كانت خضراء وكل ليلة كان يقترب من الحجة،رغم تكدس الجميع فوق بعض،مطالبا اياها بالوصال وسط ضحكات مكتومة تتناثر في ارجاء الغرفة.
لم يكمل ياسين الابتدائية،عمل صبي حداد لفترة،ثم صبي نجار،وبائعا متجولا،الي ان انتسب لتنظيم يساري،واعتقد انه وجد مخرجا من كل ازماته الحياتية بالانخراط في المقاومة.منذ عام 1974 لم يغادر ابو صياح قواعد المقاومة،شارك في الحرب الاهلية ،وفي معارك الاجتياح الاسرائيلي وحصار بيروت،وفي معارك الاخوة ضد المخيمات حيث كان قد اصيب في معارك الدفاع عن مخيم برج البراجنة،ونقل بعدها الي دمشق للعلاج.،وحينما عاد لم يكن وحيدا،بل كانت برفقته عروسته الشابة.و بسبب اصابته في العمود الفقري تم تحويله الي عمل اداري.ومع توقيع اتفاقية اوسلو عام 1993،وبدء حملة انهاء اوضاع المتفرغين، انهي تفريغ ياسين فجأة،والسبب المعلن عدم الحاجة له كمتفرغ،بينما كانت الحقيقة ان الفصائل بدأت في تطبيق سياسية جديدة قوامها انهاء التفرغ في مخيمات اللجوء والشتات،وفتح الباب امام تفريغ اكبر عدد من ابناء الضفة والقطاع والعائدين الي مناطق السلطة الوطنية. وهكذا وجد ياسين نفسه وقد بات بلا عمل .جن ياسين وغضب كثيرا،فهو لم يكن يتوقع ان تكون نهايته بهذه الطريقة الدراماتيكية،وان يستغنى عنه بجرة قلم.خاصة انه لم يعد وحيدا ،فقد اصبح مسؤولا عن زوجة حامل،وطفلة يقترب مولدها بعد بضعة اسابيع.
لاول مرة يحس ياسين بالعجز الكامل،لقد احس انه لم يعد ابو صياح الذي كان يحسب له الف حساب علي محاور الشياح وعين الرمانة،لقد احس انه طفل يتيم،فقد كل عائلته فجأة،فهو منذ ان بلغ بالمعني المادي والجسدي لم يقابل اهله ولم يعرف له مكانا الا في مكاتب التنظيم وقواعده،والان فجأة اختفي الجميع وبات اهل اوسلو في الضفة وغزة وبقي هو وحيدا مع الرعاع وسكان المخيمات كما بات يطلق عليهم.
بكا ابو صياح لاول مرة في حياته،بكا كطفل وجد نفسه وحيدا في غابة لا يعرف مداخلها ولا مخارجها ،حتى زوجته احتارت في ضعفه المفاجئ،حضنته حاولت ان تخفف عنه،التصقت بجسده،قبلته لاول مرة دون ان تنتظر ان يقبلها،داعبته،وفي لحظة ضعفه احست انها تشتهيه وترغب في ان تضاجعه،اكتشفت ان ابا صياح لم يعد موجودا وان الذي امامها ليس الا ياسين الانسان،ياسين الذي كانت تتمني ان تبثه رغبتها وتسمعه انين جسدها،لكن ابو صياح كان يقف لها بالمرصاد.حين جذبته الي السرير،توحد جسداهما،واحست انهما لاول مرة قد وصلا ذروة النشوة معا،في حين كانت دوما تراه يصل...ويتركها تذوي متوحدة...ما ان انتهيا،حتى احس ياسين ان ابا صياح قد مات وان الاوان لدفنه.
منذ الفجر بدأ في البحث عن عمل،خلال اسابيع قليلة كان قد عمل حمالا،ومساعد طوبرجي،وعامل بلوك،وزبالا،وغاسلا للاطباق في احد المطاعم...عشرات من المهن الدنيا زاولها ولم يتأفف،فهو يعلم انه امي ولا يجيد اي عمل ولا خبرة له الا في حمل السلاح.تحمل كل هذا الي ان افاق فجر يوم علي طرق عنيف علي باب منزله الحقير كما كان يسميه.كان امام الباب دورية حملته لاحد الفروع للتحقيق معه،شهر كامل استضافوه واكرموه واحسنوا ضيافته،وحينما خرج كان قد كفر بكل ما حوله،خاصة ان زوجته لم تستطع ان تعرف له سبيلا خلال هذه الفترة،وحينما خرج كان قد اصبح ابا لطفلة ولدت منذ اسبوعين ولم يرها،كان قد بدأ يفكر في الهجرة،خاصة انه كان مطالبا بمراجعة ذلك الفرع يوميا،في تمام السابعة يدخلونه الي ممر ويجلسونه علي كرسي وورائه مارد ضخم،ان تحرك يمينا او يسارا كان يصفعه بقوة،12 ساعة يوميا يتكرر المشهد،ويمر امامه كل من يتم التحقيق معه،بعضهم يساقون للتحقيق وسط اللطم والركل،والبعض الاخر يقطر دما وهو جالس في الممر يسمع كل الصرخات والانات،لكنه جامد كالصخر...في تلك الليلة اخذ قراره بالهجرة الي اي مكان في العالم،المهم ان لا تعيش طفلته الكابوس الذي ينام ويستيقظ كل يوم عليه.
رتب اموره للهرب سرا مع زوجته وطفلته الي اوروبا،استدان وباع كل ما كان يملكه،حتي محبس الزواج اجبر زوجته علي خلعه لبيعه.استطاع تامين تهريبا الي بيروت،وهنالك امن له رفاق الطريق السابقون جوازات سفر مزورة وفيز الي المانيا وبضعة عناوين لرفاق سبقوه في المنفي لعلهم يفيدوه.في مطار برلين لم يصدق انه تخلص من كابوس طويل.تلفن لاول الاسماء لكنه لم يجد منه اي ترحيب وما سمعه كلمات قليلة:شو اللي رماك علي هالبلاد،ارجع يا اخي اذا كنت بتقدر.الجواب ذاته تردد علي لسان كل من هاتفهم.لم يدله احد اين يذهب او كيف يدبر اموره.خيار ياسين الاخير بعد ان تبخر حلمه الوردي لحظة بلحظة تقديم طلب اللجوء.كان وصوله الي مركز تقديم الطلبات مساء الجمعة .هناك في المركز ،وقف ياسين وزوجته وطفلته في طابور طويل،حين وصله الدور كان التعب والجوع قد نالا منهم.كان يظن ان طلب لجوئه سيقبل فورا،اعطي طلبا لتعبئته،لم يفهم منه حرفا،تم تبصيمه واخذ بصمات اصابع يديه وراحته هو وزوجته،صور في اوضاع شتى،بحث عن العلامات الفارقة التي تميزه...لا يدري لم احس انه لم يغادر مركز المخابرات ذاك الذي فر منه.وحينما احس المحقق ان ياسين لا يفهم كلمة من كلامه،اتصل تلفونيا وطلب مترجما عربيا.
لن ينس ياسين ذلك المترجم ابدا،فقد تصرف معه كضابط مخابرات سافل.بدأيترجم الاسئلة والاجوبة:الاسم،العنوان،الحالة الاجتماعية،الاب،الام ،الاخوة ،التعليم، المهنة،الانتماء السياسي،الدول التي زارها،الاحكام القضائية المحكوم بها،انماء افراد عائلته السياسي،من يعرف في هذه البلاد،لم اختارها لتقديم طلب اللجوء،كيف وصل هنا،من ساعده...واخيرا لم طلب اللجوء?كان المترجم ينظر اليه كأنه ينظر الي حشرة،يزجره ان تأخر في الاجابة،ويصرخ فيه ان قال لا اتذكر هذا التفصيل،وحينما عرف انه مقاتل علق المترجم العربي قائلا انت اذا من هؤلاء الذين لا يعرفون شيئا الا حمل السلاح والقتل.ود لو ان الارض انخسفت تحت اقدامه وابتلعته.ما ان انتهي التحقيق حتي اخبره المترجم انه يتم تحويل اللاجئين الي مقاطعات عدة حسب جنسياتهم واسباب لجوئهم وموازنات كل ولاية.وانهم لن يبقوا هنا لان هذا المركز قد تم تخصيصه للقادمين من البوسنة والهرسك والفارين من اتون الحرب هناك. وما تم معه ليس الا تحقيقا اوليا سيستكمل في مركز اللجوء الدائم وسيتم فرزه الي بعد يومين فقد دخلت البلاد في عطلة نهاية الاسبوع.وفي هذه الاثناء سيقيم مع زوجته وطفلته في عنبر اللاجئين الذين ينتظرون ترحيلهم الي مراكز اخرى.اقتيد الي عنبر كبير مليء بالاسرة،وفي نهايته حمام مشترك.لم يكن في العنبر احد.ارتاح للامر،من شدة التعب استلقي علي احد الاسرة.وغط في النوم،ساعة او اكثر واذ به يستيقظ علي جحافل من البشر تقتحم العنبر،كأنهم من قوم ياجوج وماجوج،صرخ وتدافع وتسابق للحصول علي سرير،فتية وفتيات،كهول ونسوة عجائز...اصبح العنبر كيوم الحشر..اقوام شتي :صرب وبوسنيين وغجر وكروات..اكتظ بهم المكان،صبية وفتيات يتمازحون ويتبادلون القبل كانهم في بيوتهم،عجائز تلطم ورضع يصرخون...ورجال يتبادلون الشتائم...نطر تجاه امرأته فوجدها قد تكومت حاملة طفلتهما علي طرف السرير ،تنظر اليه معاتبة:كانها تقول له:اهذه هي نهايتنا?نظر من حوله رآي ابا صياحا علي متاريس عين الرمانة ،وشاهد ياسين ينتحب من نهاية لم تكن متوقعة...اغمض عينيه...لكنه لم يفتحهما بعد ذلك قط.
Keine Kommentare:
Kommentar veröffentlichen