Seiten

Sonntag, 12. September 2010

عيوش ومارغريت.../قصة قصيرة

عيوش ومارغريت.../قصة قصيرة


عيوش ومارغريت...
لن تعرفوا عيوش ولن تعرفوا ايضا مارغريت...فانا اصلا بالكاد اعرفهما،وحتي هما لا تعرفان بعضهما البعض رغم اننا جميعا نقطن في 3 شقق تشترك في منور واحد تطل بلكوناتنا عليه.بداية معرفتي بعيوش ومارغريت بدأت من خلال المنور.كانت كل منهما في بداية العقد الخامس من العمر،عيوش اتت من جبال اضنة مع عر من الاولاد كما نقول،وللامانة فانا لم اكن استطيع تمييزهم،فكأنهم ولدوا بالتتابع او بفارق اشهر قليلة،كنت اري الكبري،وهي لم تتجاوز الحادية عشر من عمرها تحمل تارة رضيعا وتارة طفلا لم يتجاوز العام من عمره وفي احيان اخرى طفلة لم تتجاوز العامين.كانت عيوش تبدأ صباحها من الخامسة فجرا،تشمر عن ساعديها ويعلو صوتها بلغتها الكردية التي لا افهمها ولكنها كانت تدندن منذ الفجر بصوت رخيم اخاذ يجعل الحساسين تجتمع علي غصن الشجرة المقابلة لشرفتها،وكلما علا صوتها وسط سكون الفجرتنسجم الحساسين والبلابل وتشدو كأنها ترد عليها.كنت اتسلل الي الشرفة مع انبلاج الفجر واجلس علي الارض مستمعا لها.لم تكن تحس بما حولها،تعمل دون كلل او ملل،صوتها اما مدندنا او زاجرا للصغار.كانت عيوش قد قدمت لاجئة الي هنا لكن طلب لجوئها قد رفض هي واطفالها وباتت تنتظر تنفيذ قرار ترحيلها,ورغم انه تم رفض لجوئها ,الا انها لم تغير عاداتها الصباحية وصخبها هي واولادها الملفت للنظر..عيوش او خلية النحل كانت لا تمل من الحركة والنشاط،.عام كامل لم ار رجلا في منزلها،وعرفت فيما بعد ان زوجها قد هجرها منذ اشهر وارتبط بامرأة مواطنة، واقنع عيوش انه بهذا يسعي لانقاذ العائلة من الترحيل،فما ان يأخذ الاقامة حتي ينفصل عن المرأة الجديدة ويعود لها ولاطفالها،كما كان يناديهم،من جديد.
عيوش اقتنعت بكلامه المعسول وباركت هجره لها،لكن قلبها كان يحدثها انه لن يعود لهذا البيت من جديد وحتى لو كان ذلك من باب الزيارة.ولهذا رتبت  امور حياتها علي انها وحدها من سيتكفل برعاية الاطفال وقضاء جميع احتياجاتهم،من مآكل وملبس ورعاية صحية وحتي التعليم،مع انها كانت امية لا تقرأ ولا تكتب،وحتي الان لا تعرف من اللغة الجديدة الا كلمة صباح الخير.رغم هذا كله كانت عيوش باسمة السن الا عندما تغضب من اطفالها ،او حينما تحس ان احدا قد اساء لهم دون اي وجه حق او اساء لكرامتها،عندئذ تختفي بسمتها وتتحول  الي لبؤة مفترسة.
في الشرفة المقابلة لعيوش تقطن مارغريت.ذات الطقوس الخاصة كما كنت اطلق عليها.تستيقظ في ساعة محددة كل يوم،تبدأ نهارها بحمام صباحي وتناول القهوة والكرواسة علي الشرفة،ثم تختفي حتى الظهيرة.طقوس الظهيرة كانت تتم بدقة كبيرة،تسترخي مارغريت علي كرسي بحر بعد ان ترتدي البكيني وتضع كاسا من البيرة المثلجة الي جانبها ونظارة شمسية علي عينيها تخفي اتجاهات بصرها وتزاول هوايتها اليومية بحمام شمس طويل وموسيقى لبيتهوفن.لكنها كانت تقفز من مقعدها كلما صرخت عيوش بأطفالها.في البدء كانت تنظر باستغراب للصرخات القادمة وتحاول أن تبحث عن مصدرها،لكنها ومع مرور الزمن تعودت عليها واصبحت كلما سمعتها تبتسم ابتسامة عريضة.
مارغريت لم تتزوج،رغم انها عاشرت العديد من الرجال ولفترات طويلة الا انها لم تنجب،حتي انها لم تفكر في الامر نهائيا فقد كانت رتبت حياتها وسلم اولوياتها:العمل اولا ومن ثم الرفاهية والاجازات والسيارة والكلب المدلل واخيرا الرجل والاطفال .
كانت عيوش تسترق النظر خلسة باتجاه مارغريت،وربما كانت تحسدها علي الحياة الهادئة والهنية التي تعيشها،دون صخب الاطفال وتحمل مسؤوليات هرب منها زوجها والقي بها علي كتفيها دون اي شعور بالذنب.ولكنها لم تنتبه ابدا الي ان مارغريت كانت تسترق النظر تجاهها كلما سنحت لها الفرصة.
كلا الجارتان كانت ترمقان الاخرى بنظرة الحسد،عيوش ترنو الى رغد الحياة والخلاص من شبح التسفير خارج حدود البلاد خاصة بعد ان دخل قسم من اطفالها المدارس وباتت تحلم لهم بمستقبل افضل من الذي عاشته في قريتها المنسية علي قمم جبال ذاك البلد البعيد،ومارغريت ملت من هدوء طال امده وتحلم بطفل يعيد لها الاحساس بالحياة ويشبع غريزتها كأم.
سنة كاملة لم تتبادل عيوش ومارغريت الا النظرات المسروقة ،لم تحاول اي منهما كسر حاجز الغربة بينهما،رغم تقاربهما في السن واعجاب كل منهما بنمط معيشة الاخري،الي ان جاء ذاك اليوم الذي استيقظ الشارع علي صراخ عيوش وثورتها كالبركان.كانت عيوش تصرخ بوجه شرطية ومحاطة هي واطفالها بمجموعة من الشرطة الذين قدموا لترحيلها الي بلادها،عيوش تزمجر وترسل كلماتها كقصف المدافع،والشرطة لا تفهم حرفا من كلامها،والاطفال يرتجفون خوفا ورعبا،والجيران يتفرجون ولا احد يتدخل.فجأة تظهر مارغريت وتقترب من الشرطة مستفسرة عن الامر،تجادل الضابط المسؤول،تفتح جوالها وتتحدث مع شخص ما،تقترب من عيوش،تحتضنها بعينيها وتربت علي كتفها مفهمة اياها أن لا تقلق.جادلت مارغريت الضابط لدقائق لكنه كان يهز برأسه بإشارات فهم منها الجميع من على بعد كأنها عدم موافقة علي كلام مارغريت.احتدت مارغريت وفتحت جوالها من جديد،تحدثت لبضع دقائق مع احد ما.انهمرت الدموع من عينيها،اقتربت واحتضنت عيوش التي كانت تراقب الجدل بين مارغريت والضابط،صرخت عيوش بينما كان رجال الشرطة يجرونها مع اطفالها الي الباص ...نظرت كل من مارغريت وعيوش ،كل باتجاه الاخري...وابتسمتا...بينما غابت عيوش واطفالها في الافق البعيد.
· · المشاركة
  • Jana A-D‏ و Muna Mursal‏ و Tahane Zina‏ و 15‏ آخرين‏ يعجبهم هذا.
    • Sham Albaba شو حلو.. كتير طبيعية وإنسانية هالصلة اللي ربطت بيناتن بدون مايقصدوا.. ايه أنا اضطريت أنه انتقل عبيت جديد ولما طلعت من بيتي حسيت أنه بدي بوس حيطانه:-(
      22 أغسطس، الساعة 11:57 صباحاً‏‏ عبر فيس بوك موبايل‏: · · 2‏ شخصانجاري التحميل... ·
    • عفاف خلف أحببت واقعيتها، هل ستنحاز إلى المنافي الآن!
      إلى عيوش تمد جذورها في فضاءٍ دون أرض، وتنسل أولادها في أربعة جهات الأرض، وربما ما بين خامسةٍ وسادسة تعرف الاستقرار..

      عذراً لسوداويتي
      دمتَ بحب
      22 أغسطس، الساعة 01:12 مساءً‏ · ·
    • Masharqa Mohamed هذا نص جميل يا صديقي، تفاصيل المنفى
      22 أغسطس، الساعة 02:32 مساءً‏ · ·
    • Ghada Saliba سامر..هاتين السيدتين هما رمز الغربة والمنفى والعجز عن فقدان بعض الأمل..أحببت ذلك الشعور الإنساني ولو أنه أتى متأخراً إلا أنه سلط اضوء على أن لا أحد في هذه الحياة راض عن نفسه
      ..محبتي وبورك قلمك الرائع
      22 أغسطس، الساعة 03:25 مساءً‏ · ·
    • Soshan Mas يا لهذا الترحيل يسعون للتحرر منه ولكن يحتلهم بقوة
      ارواح حزينة احتبكت ببعضها
      راااااائع
      تحيتي
      22 أغسطس، الساعة 06:07 مساءً‏ · ·
    • Agia Abou Assaly عندما نتخيل الصورة يسكت كل كلام ... وجع والم وعبثية ... مسا الخير سامر كالعادة رااااااااااائع انت يا سامر
      22 أغسطس، الساعة 06:26 مساءً‏ · ·
    • Afaf Saim واقعية هذه الحالة بتفاصيلها التي بدات حياة عادية الى ان انتهت بالنهاية المتوقعة والحزينة والزوج الذي انقذ نفسه وترك عائلته الى ان لاقت مصيرها ووجدت الجارة التي حاولت وقف تنقيذ القانون لكنها لم تستطع تعاطفت جدا مع عيوش التي ذهبت ضحية الزوج الاناني وضحية القانون شاهدتها وانا اقرا وكاني اشاهد ىشريطا حزينا بكل تفاصيله جميل يا سامر ما كتبت .
      22 أغسطس، الساعة 08:41 مساءً‏ · ·
    • عبير علي Abir أهذا كل ما يستطيعون فعله من اجل عيوش وامثالها، الاحساس بالشفقة؟؟؟
      قدرتك وبراعتك بالسرد وتصوير المشاهد والاحاسيس تشفع عن الالم اللذي تخلفه في نفوسنا بعد كل قراءة...........جزيل الشكر سامر...رائع كالعادة
      22 أغسطس، الساعة 11:04 مساءً‏ · ·
    • Nejma Hanen das ist traurig der abschied immer traurig,,,,,es tut weh. ...weil der Mutter:(3ayosch) Zwischen Leid, Last und Dankbarkeit
      22 أغسطس، الساعة 11:14 مساءً‏ · ·
    • Mounira Mabrouki

      قصة من الواقع تخفي رغم مرارتها أحاسيس رائعة
      الإنسان دائما يتذمر من حياته وطالما يرغب لما عند الآخر.
      ليس من الضروري أن تكون هناك علاقات وطيدة بن الأفراد
      لكنك تجدهم إلى جانبك وقت اللزوم وبدون مقابل
      ...وهذا ما نفتقده في مجتمعاتنا الأنانية.
      دائما كتاباتك تأخذي بعيدا عن صخب الحياة العادية
      لأصل إلى المعاني الحقيقية لما هو منشود في الوجود العابر
      مشاهدة المزيد
      23 أغسطس، الساعة 01:33 صباحاً‏ · ·
    • Tahane Zina
      اجمل ما في مارغريت هو ترتيبها لسلم اولوياتها
      الكلب المدلل يسبق الرجل والاطفال
      واقع ملموس باوروبا ......هل ستنتقل هذا السلم الى بلادنا؟لا ارجو ذلك
      مع جمال حريتها الا انها تفضي للوحدة
      اما اجمل ما في عيوش الواضح انه فقط صوتها
      ...لا يوجد فيها ما يسر البال دزينة اطفال وغباء مع الزوج وحظ تعيس
      دام قلمك استاذ سامر اسلوب شيق
      مشاهدة المزيد
      23 أغسطس، الساعة 04:25 مساءً‏ · ·
    • Muna Mursal

      كانت عيوش تسترق النظر خلسة باتجاه مارغريت،وربما كانت تحسدها علي الحياة الهادئة والهنية التي تعيشها،دون صخب الاطفال وتحمل مسؤوليات هرب منها زوجها والقي بها علي كتفيها دون اي شعور بالذنب.ولكنها لم تنتبه ابدا الي ان مارغريت كانت تسترق النظر تج...اهها كلما سنحت لها الفرصة.

      هذا المقطع المفضل لدي ......يشبه يومية جارة من جاراتي

      تحياتي لك

Keine Kommentare:

Kommentar veröffentlichen