ا محل لك من الاعراب/قصة قصيرة كتبت خصيصا للاصدقاء في مجلة " الى فلسطين" وهي تصدر عن جمعية معاً الى فلسطين.المجلة تعني بالثقافة الفلسطينية والتركيز على ابداعات الشباب الفلسطيني في الداخل والشتات والمهجر و تهتم بتقريب الشباب من بعضهم وتسليط الضوء على الفئة المثقفة والمهمشة.
لا محل لك من الاعراب/قصة قصيرة
افاق الحاكم بأمره مزعوجا،فقد زاره جده الاكبر في المنام معاتبا:ما بال الناس وقد انفضوا من حول مجلسك ولم يعد يرتاده الشعراء والكتاب والرواة?جلس مكتئبا علي حافة مخدعه المذهب،اطرق مفكرا،لا بد من حل يعيد للامارة القها المنسي منذ ان تولى الحكم.تذكر اقتراب يوم الاحتفال بتوليه العرش،فقرر ان يجعل من هذه المناسبة مهرجانا تتلألأ فيها البلاد ويبدع فيها الشعراء والكتاب والمثقفون.قرع جرسه المرصع بالياقوت،حضر مدير الديوان وسائر البطانة.كان الحاكم متجهما،توجس الجميع شرا.بادرهم للسؤال:كم عدد المبدعين الذين يقتاتون من موائدنا ويرفلون في نعيمنا،ويعملون في بلاطنا ودواوين حكمنا?عبس رئيس الديوان واحتار في الاجابة،فمعلوماته ان جل الكتاب والمبدعين عينهم الحاكم في وظائف مرموقة،بدءا من مرتبة وزير وحتى وكيل وزارة وسفير ،وحتي صغار المبدعين الغير موهوبين لم يبخل صاحب الفخامة عليهم بالعطايا والوظائف،فخصص لهم البيوت والسيارات والمكاتب الفخمة وكل ما يسيل له لعاب عامة الناس.وما زال يتذكر الايام الاولى لتأسيس الحكم،كيف كان جل هؤلاء يصطفون امام باب القصر متذللين طالبين مقابلة الحاكم ليحن عليهم ويأمر بالحاقهم في خدمته العامة.ذلك كان منذ اعوام بعيدة،ويبدو ان هؤلاء قد شبعوا واصابهم داء النسيان فهجروا مجلس الحاكم ولم يعودوا يطنبون في مدح خصاله والتسبيح بحمده او الضرب بسيفه حينما تشتد نقمة العامة عليه وعلى رغد عيشه وتبذيره علي بطانته ومستشاريه بينما عامة الشعب في ضنك من العيش وفاقة.ازبد الحاكم حين طال الصمت من حوله،وتسائل اين زيد وعبيد،اين عمر والمظفر،اين كل من كانوا ينتظرون اشارة من سبابتي ليخروا راكعين مسبحين بحمدي?والله لاجعلن منهم عبرة لكل العامة ولاعلي واجزل العطاء لمن يعود الي جادة الصواب.عليكم بالقبض على كل شاعر وراوي وقاص وملحن وراقص...لا تتركو احدا في طول البلاد او عرضها الا وتقتادوه مكبلا الى ساحة الاحتفال يوم الخميس القادم،وليعلن في ارجاء البلاد ان من يود افتداء رقبته فعليه ان يظهر لنا وللعامة اعجازه والا فبئس المصير سيلقاه.هاج القصر وماج الخلق،فقد بدأ موسم العقاب.منذ الفجر انتشر العس والجندرمة في كل ارجاء المدينة،داهموا بيوت كل من له علاقة بالابداع،حتي الطفل الذي فاز بجائزة احسن قصيدة يكتبها طفل سيق مع كل من سيقوا الي الساحة.سيق كل المبدعين،لم يترك احدا منهم ،حتى ذوي الحصانات و لم يستطيعوا الهروب من العسس ولم تشفع لهم حصاناتهم.كان العسس يجوبون الازقة،يدققون بالهويات وباشكال البشر،لم ينج من شرهم انس أو جان،طفل او شيخ،فتاة أو امرأة،الجميع كان يدقق في تفاصيل تفاصيل حياته.كنت مطمئنافي المنزل،فأنا لم اكن يوما مبدعا أو شاعرا أو قاصا أو راويا،وحتى ان امي كانت تقول لي عندما ادندن ان صوتي ذكره الله في كتابه الحكيم.لهذا والحق يقال انني كنت شامتا في هؤلاء المبدعين الذين ناموا في حرير السلطان حتي اصابتهم التخمة ولم ينتبهوا الي ان الزمان دوار.ولم اكن اخاف العسس او الجندرمة،فانا لا املك ايا من المواهب التي يبحث عنها الحاكم ،وحتي ان شاء ان يأخذني الي الخدمة العسكرية فلن افيده باي شيء،فانا افكح ..احول... اشول...قصير القامة ...اعمي البصر...ولا املك الا لسانا سليطا.ولم يشهد اني في حياتي قد امسكت قلما او انشدت شعرا او رويت حكاية،وبصراحة،وليبق الكلام سرا بيننا،فانا امقت كل ما له علاقة بالثقافة والمتثاقفين واجدهم احفادا لتنابلة السلطان لا هم لهم الا تلميع صاحب النعمة والتسبيح بحمده عليهم.لهذا نزلت من بيتي ليلة الخميس غير مكترث بكل هذه الهوجاء،،وضاربا عرض الحائط بتحذيرات زوجتي التي قالت لي:سيأخذونك يا رجال،فهم يلمون الجميع،وحتي شعيط ومعيط ونطاط الحيط لم يخلص من شرهم.وعندما اجبتها انني لست شعيطا أومعيطا،ضحكت وقالت:لكنك نطاط الحيط،وصاحب اكبر سجل في النحس عرفته،ولعلك تفوقت به علي ابي النحس المتشائل.
ما ان اقفلت باب الخرابة التي اقطن فيها وقبل ان التفت موليا وجهي صوب الزقاق المظلم لاخرج للشارع،حتى انقضت علي ثلة من العسس غلاظ القامة والقلب،والقوا بي ارضا وبدأوا في تفحص ملامحي والتدقيق في اوصافي،صارخين:امسكنا بك ايها اللعين،اظننت انك ستهرب منا بتخفيك هذا?.صرخت بهم:قبحكم الله،الا ترون اني ابله ومعتوه حتي ترموني علي الارض ككيس القمامة وتدوسون علي رقبتي،وممن اتخفى ولم?ضحكوا وقالوا غدا في الساحة ستعرف من انت وتكشف عن نفسك والا.......ثم جروني من قدماي والقوا بي في عربة مكتضة بالمبدعين المكومين فوق بعضهم البعض.حينما نظرت حولي اصابني الرعب،لم يبق مبدع معروف او نكرة الا والقوا القبض عليه،حتي الاموات من المبدعين نبشوا قبورهم واحضروا رفاتهم او عظامهم او جثثهم ليتأكد اولي الامر انهم ولوا من هذه الدنيا الفانية,ويسقطهم من سجلات المستفيدين من عطاياه ومنحه.حين القي بنا ليلا في ساحة المدينة كانت الساحة مضاءة بالف مصباح ومصباح،والعمال يتصببون عرقا لانهاء نصب الزينات وتحضير المكان استعدادا لاستقبال الحاكم صباحا.كان عددنا في الساحة بالالاف،حشرنا خلف سياج شائك في طرف الساحة الرملي والمليء بالنفايات التي تم تجميعها بعد ان انهى عمال النظافة عملهم.ولم ينس العسس ان يحيطونا بسور خشبي عال،لم نعد نميز ما يتم من حولنا.بتنا ليلتنا دون طعام او شراب،وحتى لم يكن هنالك مكان لقضاء حاجاتنا،فبتنا نقضيها مكان وقوفنا ونغطيها بالتراب.كان المكان اشبه بيوم الحشر.لم يخطر يوما بذهني اننا نمتلك هذه الجحافل من الشعراء والكتاب والمبدعين في جميع المجالات،والانكى انني كنت احمقا حين ظننت ان عدد ابواق السلطان لا يتجاوزون اصابع اليد لاكتشف انهم بالالاف.
لم ننم تلك الليلة،كنت انظر من حولي فأري كبار الشعراء والكتاب والرواة والقصاصين والملحنين و...يتصببون عرقا،لفهم الغبار ونتنت رائحتهم.والمضحك انهم كانوا قبيل سويعات قليلة ان التقوك مصادفة في الشارع وهم في مركباتهم الفارهة يشيحون رؤسهم عنك،وينظرون لك نظرة احتقار كأنهم يقابلون حشرة أو صرصار.،وان صدف ان اصطدمت بأحدهم يلعنك الي يوم الدين وينظر اليك مشمئزا خوفا من أن تكون قد لوثت حذائه او نقلت له عدوى الجرب والفقر والعازة.نسيت بلوتي حين رأيت الجمع محتاسين في تدبير امورهم.الموهوبون بد أوا في دباجة موشحاتهم وتحضير معلقات المديح شعرا أو نثرا او غناءا او لحنا،وانصاف الموهوبين كانوا يدورون حول الاولين لعلهم يسرقون منهم بيتا او كلمة او حتي حرفا او مطلع اغنية ...اما المدعون وهم كانوا كثر فقد اصيبوا بالرعب،والبعض منهم بال في سرواله خوفا من بئس المصير الذي ينتظره،وبدأوا في حك ادمغتهم للخلاص من المأزق الذي وجدوا انفسهم فيه نتيجة لادعائتهم الجوفاء،وخلصوا جميعا الي ان الحل لن يكون الا باغراء بعض المبدعين المتواجدين معهم بجزيل العطاء ان باعوهم بعضا من ابداعاتهم حتي لو كانت بضعة جمل،فبهذا وحده يفكون رقابهم من مصير مجهول.وكما يبدو انهم كانوا يعرفون من اين تؤكل الكتف،فبعد ان كانوا صفر الوجوه،مصطكي الركاب،وبعد جولة صغيرة صغيرة بين العباد المحشورين كعلبة سردين انفرجت اسارير هؤلاء وعادت الحياة الي خدودهم ،وباتوا يقهقهون عاليا بعد ان كان القط قد اكل السنتهم قبيل سويعات قليلة.
طوال الليل لم يكن بالامكان ان يغمض لي جفن،رغم اني احسن النوم واقفا،وهي نعمة كان يحسدني عليها الجميع،الا ان الحشر لم يجعل للنعاس سبيلا فامضيت الليل متجولا بين الخلق.لفت انتباهي تلك الشاعرة السمراء،ورغم انها من اسرة الحاكم،الا ان هذا لم يشفع لها ،كانت واقفة ويتحلق من حولها مئات المبدعون الشباب،كل منهم يعرض خدماته،وهي تقهقه عاليا مرددة لا تقلقوا،لن يصيبني مكروه رغم اني لم ،ولن ،اكتب حرفا واحدا، الا ان اجمل قصيدة عشق قد انهيتها الان وسأتلوها علي مسامع مولانا غدا صباحا،ولم تنس ان ترسل بصرها صوب الشاعر الشيخ الكبير وتغمزه مبتسمة،بينما ظهر الشيخ وقد اطاح العشق بما تبقى من وقاره.ليس بعيدا عنها،كانت تقف حسناء غانية،تصدرت منذ اسابيع قليلة اخبار الصالونات الادبية والصفحات الفيسبوكية،كانت تلك الحسناء لا تجيد فك الحرف الا بصعوبة كبري ،وحتى تدون سطرا كانت تقبع ساعة وراء الشاشة،وكثيرا ما كانت تكتب كلاما لم ينزل به الله من سلطان،لكنه ولانها جميلة الجميلات،كانت اللايكات تتساقط في حضنها كاوراق ايلول،وما ان تتدلل حتي يسقط العشرات ولها.لهذا ظنها العسس مبدعة مهمة فساقوها ومعها كل من وضع لايكا علي حرف لها باعتباره يفك طلاسمها الشعرية.والغريب انها كانت مبتسمة ضاحكة،تهدئ من روع معجبيها مؤكدة ان الحاكم ما ان يلمحها حتي يعفو عنها دون ان تنبس ببنت شفة.بالقرب منها جلس شاعر البلاط يندب قصر نظره،فقد ظن ان الدنيا قد بسطت له كفها بعد طول عبوس،فاستكان في ظل الحاكم وتنبل،وصال وجال كأن العز دائم ليوم الدين فإذ بالدنيا تنقلب عليه اليوم ويعود مجبرا لسيرته الاولي من كيل المديح والتمسح باقدام الحاكم بعد طول مغيب.وفي طرف قصي اجتمعت شلة من المبدعين لم ينبت لهم ريش بعد،ومازالوا يحبون في عالم الابداع،جلسوا يتشاورون حول غضب الحاكم،وفي نهاية جدال صاخب اتفقوا ان الفرصة قد جائتهم علي طبق من فضة،فقد حلموا طويلا بركل مؤخرات الشيوخ المتربعين علي سدة الابداع من عقود بعيدة،ووراثة جميع العطايا التي كانوا يرفلون بها مما يجود به الحاكم عليهم،بينما هم يتضورون جوعا وفاقة وتسد الابواب بوجوههم بينما تشرع لهؤلاء الكهول.نماذج عدة اصطدمت بها عيناي اينما جلت،مؤامرات تحاك في السر للاطاحة بهذا المثقف المتربع على كرسيه أو على ذاك،وهرج وصخب وترقب لما سيأتي به الفجر القريب...وعيون تشرأب محاولة رؤية ما هو خلف السياج الخشبي العالي.
ما ان لاحت تباشير الفجر حتى كان التعب قد نال من الجميع،وجوه صفراء كالحة،وعيون غائرة محاطة بالسواد...شعور شعثاء..وروائح تزكم الانوف.كانت الجلبة تتزايد ما وراء الاسوار،والاصوات تعلو.لقد سمح للعامة بدخول الساحة للترحيب بمولانا الحاكم قبيل وصوله.لم يبق انس في البلاد لم يحضر فهي المرة الاولى منذ تأسيس السلطة يقام فيه مهرجان ضخم يساق اليه الكتاب والشعراء كالنعاج ومن كل حدب وصوب،ومما زاد من متعة انتظار العامة افتتاح سوق للمراهنات حول نهاية كل مبدع لا يقدر علي ترجمة ابداعه بنص جديد يسبح بحمد المولى وولي النعم.كان الهرج والمرج يزداد،وصراخ العامة يتطاول ليصل الينا خلف الاسوار،وباتت المراهنات حامية الوطيس بعد ان دخلتها مراهنات جديدة قوامها من من المبدعين لم يتم القبض عليه وفر بجلده،خاصة بعد ان انتشرت اشاعات بين العامة ان هنالك من سرب قرار الحاكم للبعض وسهل لهم طريق الفرار مبكرا.فجأة صمت الجميع،وكأن الطير علي رؤوس الخلق.فهمت ان موكب الحاكم قد اقترب من الساحة.لم يعد يسمع صوت ابرة،حتي اصوات تنفس العامة كتمت بفعل فاعل.ما أن اصبح
فجأة صمت الجميع،وكأن الطير علي رؤوس الخلق.فهمت ان موكب الحاكم قد اقترب من الساحة.لم يعد يسمع صوت ابرة،حتي اصوات تنفس العامة كتمت بفعل فاعل.ما أن اصبح الموكب في مدخل الساحة حتى هب الجميع
وعلا الضجيج في كل مكان.فتح في السور المحيط بنا ما يشبه الباب،دلف منه الوزير الاول ،وقف ناظرا الينا متجهما وقال :"لقد تم ترتيب المكان في الخارج ووضعت يافطات تحدد لكل منكم اين يقف حسب نوع ابداعه،فالشعراء يقفون علي حدة ،والكتاب علي حدة...وهكذا،وحين يصل الدور لاي منكم يلقي علي مسامع الحاكم ما جادت به قريحته،وللحاكم بعدئذ تقرير مصيره.انبهكم على ضرورة الوقوف في المكان الصحيح والا سيكلفكم الخطأ غاليا".
بدء بادخالنا عبر الفتحة المستحدثة،تدافع المبدعون للخلاص من ضيق الحبس وانتظارا لفرج الله عليهم.كنت اؤخر نفسي واتمهل فلا يضيرني ان اكون اخر الخلق لكن يضيرني ان اكون اول اكباش الفداء.من بعيد كنت اري المبدعين يتأملون يافطات مزروعة امام سرادق الحاكم،ويصطفون واحدا تلو الاخر في طابور طويل.بقيت في خلف الاسوار متفرجا على بدايات العرض.كان كل مبدع يتقدم خطوات قليلة تحت يافطة مسجل عليها من اي صنف هو.هنا يقف الشعراء وقد كان اطول الصفوف واكثرها احتشادا،فيه وقف نجوم الشعر في البلاد وانكشف امام الخلق من كان من بطانة الحاكم وغمس من صحنه.اسماء رنانة كان يقف لها الجمهور بخشوع من قبل،بدت الان هشة متعبة بلا بريق او ألق،كأنها كانت فقاعات منفوخة وفقأت لتظهر أمام الخلق كالبشر العاديين تتعب وتجوع وتذل من قبل من هم اكثر قوة وبريق منهم.تحت يافطة اخرى اصطف الرواة،والتي تليها كانت مخصصة لكاتبي القصة....وهكذا هلم جرا...انتبهت الي يافطات ابعد احتشد ورائها بضعة افراد كانت مذيلة بعناوين شويعر،مستشعر،نويثر،كويتب...وهنا تحت كل يافطة وقف بضعة اشخاص مترددين.كان كل مبدع يتقدم وينحني امام الحاكم ثم يوضح له عنوان نصه او ابداعه ويبدء في الالقاء.من بعيد رأيت الحاكم مسرورا بجمعه للقض والقضيض من المبدعين،وكان كمن عزم النية علي انجاح مهرجانه الكبير وتأديب المبدعين وجذب اهتمام العامة واعادة طويهم تحت راية عرشه الكبير.
كان الحاكم يكتفي برفع سبابته لاعلي،وهذا كان يعني الخلاص للمبدع المسكين،الذي كان يقف متعلقا بسبابة الحاكم واتجاهها.مرت حشود الشعراء وسط حماس العامة ورضى ولي الامر دون عقوبات لأحد،الا شاعر واحد لم يرض الحاكم عن نصه فأشار بسبابته للاسفل،وحينما هرع الحراس لجر الشاعر المسكين كان قد سقط ارضا ،فلم يكن قلبه يحتمل سوء العقاب،حينها حمله الحراس والقوا به الي خارج الساحة وسط عويل اهله ونحيبهم.كان الحاكم يستفسر عن بعض اسماء ويطلبها بعينها،الا أن هذه الاسماء لم تكن بين الجموع،وقد تبين انها غادرت البلاد من سنوات طويلة،بعد ان جاهرت بمعارضتها لحكمه ولسوء ادارته لامور الرعية،وباتت في مأمن من بطشه وانتقامه.
تكرر الامر مع الرواة وكتاب القصة والملحنين وسائر المبدعين فكلهم استطاعوا الخلاص من بطش الحاكم بعد ان اجادوا في ما القوه وعادوا من جديد الى بيت الطاعة.حينها خلت الساحة في الخلف ولم يتبق بها الا العبد الفقير لله،اما تحت اليافطات فقد اشبه المكان بالصحراء.انتبه الحاكم لي قبل بدء الواقفون تحت يافطات الشويعر والنويثر والكويتب القاء ما حضروه ، اشار للحراس ان يحضروني وان يتوقف الاخرون عن اي شيء ، جذبني الحراس ودفعوني للامام.وقفت احدق في جميع اليافطات،انقل بصري بين الحاكم واليافطات وارتجف من صراخ العامة وضحكات الاستهزاء ممن سبقني من المبدعين،فلقد نجوا بأنفسهم ،وهاهم يتهامسون متسائلين عن هذه النكرة التي زج بها بين صفوفهم.لم اكن ،شاعرا فابتعدت عن اليافطة،ولم اكن كاتبا،فابتعدت مرة اخرى..وهكذا بدأت ابتعد عن مكان الرواة والقصاصين والمغنين...حتي مكان وقوف انصاف المبدعين خفت ان اقف فيها لاني لا املك حتى نصف ابداع او ربعه...وهكذا ارتحلت قصيا شاخصا للوحات ومنقلا نظراتي المرعوبة بين الحاكم و العناوين حتى تسمرت امام اليافطة الاخيرة.لم يكن بعدها الا ستارا يخف امرا لم يعرفه احد ويحرسه بضع حراس اشداء،لم يكن يسمح لاحد بالاقتراب منه.لا بد انه كان المكان لمخصص للعقاب.
رفعت بصري للسماء فوجدت يافطة كتب عليها:لا محل له من الاعراب.تسمرت قدماي هنا ولم اعد استطيع الحراك.قفز الحاكم من مقعده..سكت العامة وسكنوا..انتظروا ردة فعل ولي النعم..ازبد الحاكم وامتقع لونه...لم يحرك سبابته،فلا داع هنا لاتعابها،نظر للحراس الذين فهموا اشارته،امسكني اربعة منهم،جروني للمكان الاخير،ازالوا الغطاء...يا الهي كان عقاب الحاكم سافلا ومميتا...انتصب خازوق عملاق..كتفني الحراس ومزقوا ثيابي...واجلسوا مؤخرتي فوق راسه المدبب......تذكرت قول امرأتي وانا اصرخ من الالم:" انت نطاط الحيط،وصاحب اكبر سجل في النحس عرفته،ولعلك تفوقت به علي ابي النحس المتشائل"...
Keine Kommentare:
Kommentar veröffentlichen